مشرَّدٌ أنا في حزنكِ يا مسقط (مختارات) – صالح العامري

خط الأفق

مسقط، يا حبيبتي المُثخنة بالخمر والجراح،
تعرّي هذه الليلة
استندي على الجمرة الصغيرة في خاصرة الأسلاف،
اركضي بي في الطرقات مجنونة بالشهاب المنفجر الذي يحتطب الأفق،
اندفعي في الكتب الملدوغة بالألحان
اقرئي وجهي ووجهكِ على قارعة الحانة المخمورة…
مشرَّدٌ أنا في حزنكِ،
متورّط، مثل صقرٍ غابر وجارف، في تلمس غاباتكِ اللامرئية
في الصعود إلى أشرعة بحركِ الهبوبيّ الذي يقود السفينة إلى جرار النبيذ
والفقير إلى سلّم الكبرياء
والقرصان إلى الكتابة…


مسقط، أيَّها الرمح الملتهب،
هو ذا قلبي يتلظى جذِلا
كي يحبل بالكستناء…


مسقط، أيها الجمال الأسيان،
هي ذي كبدي، كي تنهمر باللهفات
ويتكسر القند،
مسقط، أيتها النار التي تلعب الشطرنج كفتاة مغناج،
أيتها السبيكة الذهبية
التي تعلّم البئر،
أيتها الجبهة التي تشبه فلقة قمرية
وتغور في حنجرة الشاعر
وفي أصابع الليل…

متُّ كثيرًا في دفتركِ يا مسقط،
واستيقظتُ دائخاً في أول صفحة،
ومثل روح من نبيذ وأعاصير
قدتِني إلى المعرفة ذات الأجنحة، ذات الأغصان، ذات الأسفار، ذات الألوان،
كي أخدع بكِ اللهفة
كي أصطاد بكِ النمور
كي أصعد راعشًا، مثل طيش أو جبل،
على سلالمكِ الطالعة في الضباب…
مسقط، أيها الزلزال الأبدي…


عام الجوع

ماذا كنتَ تودّ أن تفعل
أيّها اللون البنفسجيّ
الغائر كجرح، الفاجر كأفعى
في بلدتي الصغيرة
ذلك العام
كيف حللتَ ذات ضحى ماكر
مثل حقيقة سحيقة انفرطتْ للتوّ
من وثاقها المعدنيّ
كيف أتيتَ أيّها المطر الندفيّ
مثل جمرة ذات جناحين تأكل الأفق
كيف انتصبتَ أيّها الثعبان
المدمدم بالأشواق
كما تفعل البراكين
بمخلوقاتها الشهيّة
لماذا كنت تتقاطر أيَّها الشبق الأحمق هكذا
كما لو أنّ البحر يركضُ هائجاً وراء طرائد غامضة
كما لو أنّ حنينَ ثيرانٍ مفاجئٍ
تسلّل بقوة البرق
إلى الجسد المغرورق بالعَرَق
كما لو أن الأرسان تحمل المشاعل
متكسّرة، تطلب الحرية،
محتشدة مثل نُقاطٍ سيّالةٍ من ضوء
على ضفاف الأنهار
آهٍ أيّها اللون الهادر
حتّى أنّ الغربان توقّفتْ بغتة عن التصايح
حتّى أن رؤوس النخيل صارت تترنّح في الأعالي
حتّى أنّ السهام كلّها
اندفعت مرّة واحدة إلى غزوة الدم
حتّى أنّ السَّكْرة
كانت منطرحة بغلالةٍ شفّافة
أمام كوخ بحريّ
حتّى أنّ الزيزان
تتعاركُ برشاقة غريبة
فوق أعراس المياه
حتّى أنّ كل كائن مشّاء
يرغب بشدّة أن يعضّ الآخر
حتّى أنّ الرجل – في طيش غير متوقّع –
يطارد عطر امرأة عابرة
حتّى أنّ امرأة مهووسة، في وضح النهار،
كانت تسرق زوجَ جارتها
آهٍ أيّها الجوع
الذي يقفز في ضلوعي
حتّى أنّ قلبي الصغير
صار يقرع أجراساً في مدنٍ بعيدة
حتّى أنّ روائح القمح والقصب وطلع الليمون
تشخبُ ناياتُها في صدري
حتّى أنّ نيراناً مجوسيّة
تطقطق بألسنتها في لساني
حتّى أنني أصغي الآن
إلى خلاخيل قدمين تتقدّمان نحوي
في قافلة ضائعة في البراري
حتّى أنني أرى رأي العين
كاليپسو
في لحظة خاطفة
آسرةً إيّاي في كهفها
حتّى أنني أموتُ من الجنون
حتّى أنني
أصرخ من اللذة.


*نصوص: صالح العامري

زر الذهاب إلى الأعلى