قذيفة – منال خالد

قسم:
أشخاص:
بلدان:

لم أكن أعلم أن واحدةً من أهم مكونات سيكولوجية الحرب هي الانتظار، لطالما كُنت مندفعًا كقذيفة يقول أخي، لم أفهم على أية حال الغاية من الانتظار، يشبه الأمر أن تنتظر من ذرات النار التوقف عن الانتشار أكثر، كأن تطلب من الطبيعة أن تغيّر بعضًا من خصائصها فلا تسمح للهب أن يمتد أكثر، شرِهًا لا يتوقف عن ابتلاع هويتي في جوفه، الأشجار وذكرياتي.. وجولاتُ الغميضةِ تحتها، 

واحد اثنان ثلاثة واندلعت الحرب وعلى خلاف الأرقام التي تعرف أماكنها بالترتيب لم أعد أعرف أين مكاني، فالكثير مني لازالت النار تأكله ولا أحد يوقفها، أتمنى أن أُوقفها أنا وأنا في جوفها أن تكتفي بالتهامي أنا فحسب، أنا المليء بالتاريخ والذكريات ثلاثة عشر عامًا هل ستكتفي بي هذه النار بدلاً من السبعين والثمانين الذين يحملون كل الوطن داخلهم، 

أربعة خمسة ستة، لم اشتعل كقذيفة ولم اكمن كلغم، بل تعلمت الانتظار بعد شرارةِ اللهب الثانية التي احرقت منزل جدي الذي كان يقول لنا أن علينا أن نتعلم الانتظار ولم يكن يخبرنا أن الانتظار كُلْفته العمر، عمرٌ كاملٌ من التشرد والتفرق والانتشار- مثل ذرات اللهب-، من التبعثر والانكسار مثل سقفنا الذي أصبح مؤخرًا السماء،

من التوقف والتخفف من كل ذكريات الوطن حتى يجهل الواحد منا ذاته وأرضه.

سبعة ثمانية تسعة، لا نار لا بيت لا وطن ويقول محمود درويش أننا أحرار حين ننسى فلِمِ أشعر بكل هذا القيد الذي يُكبّل عقلي، عيني، قدمي وفمي.

عشرة، لم يكن أخي المفقود الذي عاد لاسترجاع كتابه-فقد كان يؤمن أن الوطن في الصفحات أيضًا بين الجمل وكل الفقرات،

الخريطةُ هنا على الصفحة وأخي مفقود مثل الوطن -لم يكن يعلم أني لم أكن أتمنى أن أكون قذيفة بقدر ما أردت أن أكون طوفان نوح. 

عشرة..

أنا قادم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نص: منال خالد

زر الذهاب إلى الأعلى