ولادةٌ أخرى – فروغ فرخزاد – ترجمة: مريم العطَّار

كلُّ وجودي آيةٌ مظلمةٌ

تكرّرُكَ باستمرارٍ

وتريدُ أخذَكَ معَها إلى فجرِ الانبثاقِ والرحيلِ الأبديِّ

 أنا في هذهِ الآيةِ.. تنهّدتُكُ آهٍ

أنا في هذهِ الآيةِ..

طعَّمْتُكَ في الشجرةِ والماءِ والنارِ

الحياةُ –ربَّما-..

شارعٌ طويلٌ تعبرُ منْهُ كلَّ يومٍ امرأةٌ تحملُ سلّةً لتبضّعِ

الحياةِ.. ربَّما

حبلٌ رفيعٌ يتدلّى منْهُ رجلٌ شانقٌ نفسَهُ على غصنِ شجرةِ

الحياةِ.. ربَّما

طفلٌ يرجعُ مِنَ المدرسةِ

الحياةُ.. ربَّما

إشعالُ سيجارتيْنِ ومسافةُ ما بينَ عناقيْنِ

أوْ عبورُ عابرٍ دائخٍ

يبتسمُ ابتسامةً لعابرٍ آخرَ ودونَ معنىً يقولُ..

“صباحُ الخيرِ”

الحياةُ.. ربَّما تلكَ اللحظةُ المسدودةُ

التي فيها عينايَ تدمّرانِ ذاتَهُما في لمعانِ عينيْكَ

وفي هذا الأمرِ شعورٌ

سأمزجُهُ بإدراكِ القمرِ وفهمِ الظلمةِ

في غرفةٍ بحجمِ الوحدةِ

قلبي

الذي هوَ بحجمِ الحبِّ

يفكّرُ بأبسطِ شيءٍ للسعادةِ

يفكّرُ بزوالِ جمالِ الوردةِ في السندانةِ

بشجيرةٍ أنتَ زرعتَها في حديقةِ بيتِنا

وبنغمةِ أصواتِ طيورِ الكناري

التي تغنّي بحجمِ النافذةِ فقطْ..

آهٍ..

هذا هوَ نصيبي..

هذا هوَ نصيبي..

نصيبي..

سماءٌ تحجبُها ستارةٌ!

نصيبي.. نزولٌ مِنْ سُلَّمٍ متروكٍ

ووصولٌ لشيءٍ مِنَ العفنِ والغربةِ

نصيبي.. دوارٌ محزنٌ في بساتينِ الذكرياتِ

وفي الحزنِ هناكَ صوتٌ يقولُ لي..

أحبُّ يديْكِ

ادفنْ يديَّ في الحديقةِ

ستنموانِ.. أعرفُ.. أعرفُ.. أعرفُ..

وطيورُ السنونو ستضعُ البيضَ في حفرةِ كفّي وأصابعي الملطّخةِ بالحبرِ

سأضعُ أقراطاً في أُذُني

مِنْ كرزٍ مزدوجٍ

وسألصقُ على أظافري أوراقَ زهرةِ الكوكبِ

هناكَ زقاقٌ فيهِ

أولادٌ عشّاقٌ

بشعرٍ أشعثَ وأعناقٍ رفيعةٍ.. سيقانٍ نحيفةٍ

يفكّرونَ بابتسامةِ فتاةٍ صغيرةٍ

أخذَها الريحُ معَهُ في ليلةٍ ما

هناكَ زقاقُ قلبي سرقَهُ مِنْ أحياءِ الطفولةِ

السفرُ حجمٌ في محورِ الزمنِ

وبحجمِ إخصابِ ذلكَ الزمنِ

حجمٌ مِنْ صورةٍ للوعيِ

ترجعُ مِنْ ضيافةِ المرايا

ولهذا.. هناكَ أحدٌ يموتُ

وأحدٌ يبقى

ليسَ هناكَ صيّادٌ يصطادُ اللؤلؤَ مِنْ جدولٍ صغيرٍ

أعرفُ ملاكاً صغيراً وحزيناً

يسكنُ في عمقِ المحيطاتِ  

ويعزفُ قلبَهُ في نايٍ خشبيٍّ

ببطءٍ.. ببطءٍ..

ملاكٌ صغيرٌ في الليلِ يموتُ مِنْ قُبلةٍ

وفي الفجرِ.. سيولدُ مِنْ قبلةٍ أخرى.

ترجمة: مريم العطَّار

زر الذهاب إلى الأعلى