لا أدري ما الذي أضلني – ريناد رشيد

ذنوبُ الظلال

كيف تموتُ فينا الأشياءُ التي تذوبُ في صمتنا، حين لا تجرفها الرياح إلى مُلتقى الظلال؟ حين لا تتصلُ بها ساعاتُ الظلام التي تقترفها ذنوبنا، وتتآكلُ في شرايينا العبارات؟ كيف لها أن تنسلخَ من هذا البزوغِ، من هذا الاستجماعِ اللغوي، والاستجابة؟ كيف لصلواتنا أن تنصفقَ فى وجوهنا ككل سياق علَّقنا به خوفنا؟ وكيف لي أنا، ألاَّ أنعكسَ في أطراف هذا البزوغ، وعلى الأقل، أتذكرُ كيف عانقتُ يأسَ حدادي وأسميتُهُ مُعجمًا؟ كيف لعينيكِ أن تُجسّد عجز كلماتك أنتِ، ومجدَ لغتي أنا؟ عليَّ أن أخاطبكِ بصمتي، ألا أحرمكِ جحيمَ العبارات، عليَّ أن أجدَ طريقةً لأعطي شكلًا لفوضى جرحك على ليل أهدابي. 

كيف لكِ أن تُفقديني وجهي حيث تقودينني عميقًا نحو هاويةِ وجهك؟ كيف لي أنا أن أتبعها؟ كيف لي أن أطاوعَكِ في تشكيلِ جثتي؟

***

تمزق الهوية في الشرايين

تباعدت الطرق المشتبكة لليقين، وحوّلت أملي إلى سرابها الملتحم بفجواتها. تباعدت آمالي، وصرتُ أتلاشى أنا في معرفة هذا، يقولون ماذا تفعلُ عندما تفقد هويتك؟ ماهي حيلتك حينما تضل وجهتك، وتصبح كل الطرق رماد ما تبقى؟ وقالوا “عد إلى بداية الطريق، عد إلى ما عرفت، ما كنتَ تألف” ماذا لو كل ما عرفت يتخذ مساره بعيدًا عن إدراك منزلي؟ ماذا لو افترقت الألفةُ عن منزلي؟ ماذا لو كان الطريق ممتلئًا بجثث من عادوا؟ 

قالوا تآلف مع الرماد، واجعله حليفًا على نيران جوفك. الهوية تتفرّق وتنفصل عمّا سبق، كلما حبستَ دربك فيما كان؛ كلما بقيتَ سجينًا للأنا التي شكّلتها العثرات، والتقيت بعظامها في الطريق. الأنا تنزف تحت إدراك الحاضر، وتُحتضن في إطلاقها له.

***

الرمادي الذي يجتاحنا

وأنا أختفي في ظلك، أختفي في احتماليةِ تلاشيك، أختفي في الوقت الفاصل بيننا، وإلاهيِّةِ اليدين المرتجفة. لا أحد يجدني، حين تضيعُ نظرتُك الباحثةُ عن شتائي، وحين أختفي في ظلك، هل ستخاطرُ بالاندماج لإغاثتي؟ هل سنكونُ أنا وأنتَ ليلاً واحدًا؟ لماذا لا يمكننا أن نكف عن النظر لما وراء هذه النيران ونحاول أن نقفز من عبرها ؟ لماذا نتحمل الاحتراق؟ تنظرُ إليَّ وتعبدُ في عينيَّ هذه النار، ولا تحتملُ ما يعقبُها، لا تحتملُ الرماد.

إن كنتَ تخافُ أن تُمسيَ رمادًا؛ فلا تنظر إلى احتراقي. أحاولُ أن أعرفك خارج هذا الرماديِّ الذي يحتاجنا. أحاولُ أن أشرقَ في صباحاتك بعيدًا عن توسُّلِ لياليَّ، وإن بادر لنا بزوغ فجرها؛ هل ستقبلُ بنا في اضمحلال؟ هل سنكونُ أنا وأنتَ فجرًا واحدًا؟ 

أحاول ألا أحدق طويلاً في هاوية وجهك، خشية أن تبتلعني، خشية أن أصبحها؛ إن حدقتُ طويلًا في الهاوية، يُصبح كلُّ ما تُبصر هو فراغُها الأبدي، كل ما تُبصرُ عن سمائك. هل سأصبح بعيدة عن سمائي إن قبلتُ في حالي بقاعك؟ في قعر مخاوفك؟

***

سياق الانفصال

ألتقي بك، العالمُ يلتفُّ ويدورُ على بعضه 

أخاطبكَ دمًا، أخاطبك عظمًا، 

أعطيك قصائدي وتستبدلُها بصمتك، ألمَسُ لحم القيامةِ، تعطيني عظام القبور

 وتتركني في وحشةِ التراب. 

أحبك، أتخذُ منك معبدًا، هذا إعصار. 

أتركُ قطعًا مني في الريح، أتركُ جثةً، 

وكلُّ ما يتبقى مني هو هذا الأنينُ الفظيع

 لما يُسمَّى رغبةً. 

لا أعطيكَ ما تبقى، أحبسكَ في هذا المعنى، 

وأنساكَ في هذه القصيدةِ والسياق. 

أتخلى عنك، هذا إعصار.

أترككَ في تلك اللحظة، أجعلك مُخلَّدًا، أُجَمِّدُك

وتتركني فيما يتبقى. 

أفترقُ عنك،

العالمُ يلتفُّ، ويدورُ على بعضي.

*نصوص: ريناد رشيد

زر الذهاب إلى الأعلى