جابرييلا ميسترال – في مديح الصخور  

تستندُ الصخورُ إلى كواهلها كالمحاربين الموتى ـ تُبحر جراحهم مع الصمتِ النقيّ، لا مع الضماداتِ.
تحملُ الصخورُ ملامحَ مبعثرةً كالأطفالِ التائهين: حاجبٌ فوقَ جبل، كاحلٌ في مقعدٍ صخريّ.
تذكُر الصخورُ وجهاً موحّداً وتريدُ أن ترقّعهُ معاً، ذاتَ يومٍ، لمحةً بلمحة.
الصخورُ نومها ثقيلٌ، غنيّةٌ بالأحلامِ، مثلَ حبةِ فلفلٍ تحرسُ جوهراً صافياً، واهناً ونعسانَ، مثلَ شجرةِ الظروفِ، تمسكُ الصخرةُ بوحشيةٍ كنزها من الأحلام المجرّدة.
تركع صخورٌ، تمتزجُ صخورٌ، وتسقط صخورٌ في مواكبَ، وما لا تريدُ أن تسقطَ، مثلَ قلبٍ تسأم.
شاهدُ القبرِ محتومٌ لرقبةِ يعقوبَ، صخرةُ الحدادِ كالرقمِ ـ من دونِ حياءٍ ولا ندىً ـ فهي بالضبطِ كالرقمِ.
صخرة مستديرةٌ ببساطةٍ هي جفنٌ كبيرٌ، بأهدابٍ، كأنها صخرةُ ميتوشالح. قمةُ جبالِ الأنديز المعقوفةِ المتصوّفة، شعلة لا تتراقصُ، تترنّحُ مثلَ سارةَ زوجةِ لوطٍ. لم تُرِد أن تجيبني وأنا صغيرة، وإلى الآنَ لا تجيبني.
تومض صخورٌ بالذهبِ أو الفضةِ، يثقبها النحاسُ بغتةً، ترتاعُ من الفضولِ. وتغتاظُ صخورٌ من اللّوزِ المعدنيّ، مع أنها سِهامٌ خفيّة.
تركع صخورٌ، تمتزجُ صخورٌ، تركض صخورٌ في كتائبَ أو جمهراتٍ، دون أن تصلَ إلى مكانٍ.
صخورُ نهرٍ قديمٍ من شواطئَ زلقةٍ كالغرقَى؛ تتشبّثُ بالنباتاتِ الذاويةِ التي تلصَقُ سريعاً بشَعرِ الغرقَى. لكن، هناكَ صخورٌ رقيقة؛ تلمسُ مَن سُلِخَ جلدهُ مِن غيرِ أن تؤذيهِ. تمرّ على جسمهِ بلسانٍ كلسانِ أُمّهِ، ولا تتعب.
صخورُ النهرِ الدقيقةُ حصىً ملوّنٌ كالثمرِ. آهٍ، قد تغنّي! مرةً، وأنا بالخامسةِ، وضعتُها تحتَ مِخدّتي؛ فاهتاجَت مثلَ جبلٍ طَفليّ يختنق، أو ربما كانت تدورُ وهي تغنّي حولَ نُواةِ أحلامي. كأسيادِها: جاءَت حُصِيّاً بعمرٍ غضّ إلى ملاءاتي لتلعبَ معي.
لا تودّ بعضُ الصخورِ أن تبقَى شواهدَ قبورٍ أو نوافيرَ؛ تتفادَى أيّ لمسةٍ غريبةٍ وتأبى النقشَ التطفليّ لتظلّ إيماءاتُها نفسَها، لغةً غريبة، تنهضُ ذاتَ يومٍ.
صخورٌ بكماءُ، توهَب قلوباً بعاطفةٍ ربما تُفشِي سرّها. لكيلا نُزعجَ هَجعةَ لَوزِها الدائخِ ـ وهكذا، تظلّ ساكنةً.

ترجمة: محمد عيد إبراهيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى