وديع سعادة – ريشٌ في الريح

لا تطأْ على ظلّ
إنه نطرة نائمة.
لا تأخذْ غصناً إلى موقد
إنه يد شجرة.
التقطِ الورقةَ وأعِدْها إلى الغصن
إنها عين الشجرة.
النجوم نظرات
انظرْ تَصِرْ نجمة.
كلُّ هذه الرياح
ليست سوى
آهات بشر.
للطريق التي لا تتوقّف عن المشي
بيتٌ أيضاً
ولا تعرف كيف تفتح الباب.
فقط لو عرفوا
أن دمعة واحدة تكفي
لغسل كلّ الأرض.
وللطريق رئةٌ أيضاً
امشِ عليها خفيفاً
لئلا تختنق.
الذين يصرخون هناك
أفواههم هنا.
قال لا تقتربْ من الماء
وغرِقَ.
الغصون التي تهزُّها الريح لا تكون ترتجف
بل هي تلوّح
للغصون الأخرى.
مهما كان هذا الحمْل ثقيلاً
يمكنكَ أيضاً أن تكون
نسمة.
الأرض عمياء
اعطِها عيناً كي تراك.
الذين قلتُ لهم وداعاً هناك
سبقوني إلى هنا.
لا تطأْ على نملة
هل نسيتَ كم لعبتَ معها حين كنتَ طفلاً؟
لا تنظرْ إلى الفضاء كي ترى قمراً
ثمة قمرٌ آخر على الأرض: عينكَ.
أخفضْ رأسكَ قليلاً
إنْ أردتَ أن ترى الأرض.
للدم لسان
كلُّ نقطة منه وهي تسقط تقول:
البشرية كلّها سقطت.
حَمَلَ حياته مثل لعبة معطَّلة
أراد أن يعيدها إلى الحانوتي
ووقفَ العمرَ كلّه
أمام حانوت مقفل.
تكلَّمتُ كثيراً
لكنَّ الصمت كان كنزي الوحيد.
للأحلام قنّاصون كُثُر
لا تحلمْ
تَنْجُ.
تبقى وحيداً
ولو بين جمهور.
أيها الناظرون إلى السماء
انظروا جيّداً تروها خاوية.
الذين بلا أقدام
حين تنظر إليهم بحبّ
يصيرون بأجنحة.
نقطة دم واحدة تُهدَر من عصفور
تُظلِم كلَّ السماء.
كم كانت الأرض جميلة
لو انَّ كائناتها تقتات فقط من الهواء.
قال: بلى، ثمة ماءٌ بعد في قعر البئر
ومات عطشاناً.
كان حافياً
والطريق كلّها مرسومة على لحم قدميه.
لا أخال الأرض محمولةً إلاّ بكثافة الآهات.
هل رأيتم سحليةً في مكان ما؟
إنها شقيقتي وقد أضعتُها حين كنا نلعب في الغابة.
أقدامٌ أقدامٌ أقدام
وظِلٌّ على الرصيف
يحاول أن ينام.
ثلوجٌ ثلوجٌ ثلوج
أظنُّها دموعاً قد تجمّدت.
الطريقُ أيضاً
تسأل عن الطريق.
لا تحلمْ بمحطَّة
مهما ركبتَ قطارات
تبقى في مكانك.
ناديتُها كثيراً
ولم تأتِ
الحياة.
في البحر قشّة؟
لا تتشبّثْ بها
لو خشبة
ستغرق.
من ترابه نبتتْ شجرة
تشبهه حين كان فتىً.
من ترابه نبتتْ زهرة
تشبه عينه المغمضة.
أرى عيوناً كثيرة
في الأنهار.
حين تنزل دمعةٌ في النهر
تأخذ عينها معها.
ارمِ السماءَ
وَضَعِ الأرضَ في قلبك.
الطير الذي حطَّ على رأسكَ ذات يوم
لم يكن يريد سماء بل رفيقاً.
كم هي صبورة
الطريق التي مشت وحدها كلَّ هذه الأيام!
يا أصدقائي البعيدين
العصافير التي تأتي إلى شجرة أمام بيتي وتنظر إليَّ
في عيونها شيء من نظراتكم!
هناك هو هناك
ولكن أين هنا؟
أسمعُ أصواتاً
في العشب أيضاً.
تكلَّمَ كثيراً
لكنَّ الوحيد الذي رافقه طوال الطريق كان الصمت.
أريد أن ألعب
أمعقولٌ أن أجوب كلَّ هذه المدن وأبحث طوال العمر
ولا أجد لعبة؟!
مللتُ من انتظاركَ
يا رفيقي القديم يا شبيهي يا وديع أين ذهبتَ؟
حتى الصخر يصرخ
والنسيم ينجرح
من ريشة.
فقط لو الهواء يعيد إليَّ
الكلمةَ الأولى التي قلتُها
للريح.
مشى صامتاً
لئلا يُثقل عبورَه
الصوت.
لم يقل وداعاً
فقط رفع قليلاً إصبعه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى