سعداء هم الأبرياء، ناسين العالم بالعالم المنسي، اشراقة أبدية لعقل نظيف، كل صلاة مقبولة وكل رغبة ممنوحة
-ألكسندر بوب
فيلم إشراقة أبدية لعقل نظيف بالنسبة لي هو أحد أكثر الأعمال الرومانسية الخالصة نضجاً. عمل مميز في كل تفاصيله مفعم بالرومانسية النقية وبعيد تماماً عن الابتذال في المشاعر.
Eternal sunshine of the spotless mind
سُمي الفليم بهذا الاسم اقتباساً من قصيدة ألكسندر بوب “Eternal sunshine of the spotless mind” الذي تتغنى بجمال النسيان. وقد أثبت كاري براعته في الألعاب العقلية في هذا الفيلم.
هذا الفلم عبقري جداً فهو يحكي قصة رجل يمر بحالة اضطراب واكتئاب وعزلة، وفتاة جميلة تُغيره وتُلهمه وتجعله شخصًا أفضل. ولكن المخرج الفرنسي ميتشل غوندري بدلاً من أن يُظهر تلك الفتاة في صورة “الفتاة الخيالية” التي تظهر فقط لتغيير حياة البطل ومن ثم تختفي في نهاية القصة، فقد جعلها امرأة حقيقة، بل جعلها موجودة في بداية وعي البطل جويل، ومن ثم هدمها تمامًا!
يلعب جيم كاري دور جويل باريش، يبدأ الفيلم من النهاية تقريباً عندما يستيقظ جول المنطوي على ذاته في غرفته مع احساس غريب يدفعه للتخلي عن روتين حياته اليومية، ليجد نفسه في القطار المتجه نحو أحد الشواطئ الباردة فيلتقي بـ كليمنتين (كيت وينسلت)، صاحبة الأفكار الغريبة الجريئة والشخصية المتغيرة مع كل صبغة شعر تقوم بها، فتاة مندفعة، جميلة ومتهورة، وسرعان ما يقعا في الحب فتجعله كليمنتين يعانق الحياة ومغامراتها بعدما كان شخص وحيد و غير جذاب اجتماعياً ويعيش حياة روتينية مملة.
كان “جول” ذاك الرجل البائس الذي يلاحقه شعور دائم بالتعثر، الرجل الهادئ والذي يفشل في تكوين علاقات مع الآخرين ولا يعرف كيف يُعبر عن نفسه أو عما يدور في خلده، ويرى أن حياته برمتها ليست ذات أهمية. بينما كانت كليمنتين على العكس تماماً، فهي مرحة، صاخبة، مجنونة، ومفعمة بالحياة.
منذ بداية علاقتهم يأمل جول أن تبقى كليمنتين كما تعَرف عليها في البداية وأن لا تتغير، أن لا تغضب وأن لا تنفجر أو تصرخ في وجهه يوماً. لكن كليمنتين كانت سريعة الملل من علاقاتها مع الرجال، قلقة دوماً بشأن اعتقادها بأنها لا تعيش حياتها كما ينبغي، فتحاول أن تنتهز كل الفرص الممكنة، وتعمل على ألا تُضيع ثانية من وقتها الضئيل، لذلك هي لا تريدُ أن تعيش حبيسة لأحد، وترحل في منتصف كل علاقة، لتبدأ من جديد.
بالرغم من حبها لـ جول وولعها به إلا أنها ترى أنه رجل ممل وأن هذا سببٍ مقنع -بمن وجهة نظرها- كي تتركه، فقد اجتاحها الخوف والضجر فقررت أن تذهب للطبيب وتطلب محوهِ من ذاكرتها لتعيش مرة أخرى بدايةً جديدة.
في المقابل يقرر جول أن يمحوها من ذاكرته هو الآخر، انتقاماً منها ورغبة منه في نسيانها إلى الأبد، ولكن أثناء عملية مسح الذكريات، يكتشف جول الأمور الصغيرة التي أدت بتراكمها لقتل الحب الذي كان يجمعه بكلمنتين في ذكرياته الأولى معها، و يقرر فجأة التمرد على ما يجري ورفض حدوثه، ذلك بمحاولة هروبه من ذكرياته نحو ذكريات أخرى لا توجد فيها كليمنتين، عسى أن ينقذ بذلك و لو ذكرى واحدة فقط لأنه أدرك كم تعني له تلك الفتاة، وكم أحبها، ولكنه يفشل في ذلك، فيحظى كل منهما بـ إشراقة أبدية لعقل نظيف..
ولكن حتى بعد أن نسي كلاً منهما الآخر، عادوا من جديد بذاكرة جديدة ليكررا تجربة الوقوع في الحُب مرة أخرى، مرة جديدة. لأن كلاهما لم يعرف معنى الحب الحقيقي، جول كان يريد أن تظل كليمنتين تلك الطفلة الشقية والصغيرة ولكن كليمنتين أرادت أن تظل تشعر بنشوة الحب الجديد في كل مرة.
تكمن، في رأيي، عبقرية الفيلم، في تلك اللقطة في نهاية الفيلم، لحظة إدراك جول لماهية الحُب حيث تقع بينه وبين كلمنتين هذه المحادثة الرائعه:
جول وكليمنتين كلاهما مضطربين وخائفين. لذا فهم يستمران بتكرار محو بعضهما البعض لكنهم يعودون للوقوع في الحب مرة أخرى في نهاية المطاف.
* عنوان المقالة مُقتبس من قصيدة أريد أن أراك ثانية لأول مرة – بلال علاء