في الآونة الأخيرة.. أعيش مع العناكب، لكن، في الحقيقة، بعد رحيل رفاق الغرفة لم تكن عشرتها شديدة السوء. عنكبوت الحمام يبقى ساكنًا على البلاط، الآخر قاطن غرفة النوم.. حسنًا، أحيانًا يمد أرجله، لكن في معظم الأوقات يحتفظ بها لنفسه.
أعتقد أن محركات السيارات ومثبتتات الشعر تمكنت منّا أخيرًا، التلوث هنا لا يطاق، يجعل السماء متوهجة بالبرتقالي من الخامسة مساءً وحتى الصباح التالي. بعض الناس يعتقدون أن التخلص بالاغتسال، مما اعتقدت أنه سمرة، أمرًا مقززًا. لكن، أنا لا يسعني إلا أن أحب هذه المدينة التي يمتد فيها الشفق ل 15 ساعة- لو حدث وأسست فرقة لموسيقى الروك سأسميها التلوث الجميل.
خارج المدينة يخيم الظلام، ظلام دامس لدرجة أنك تنسى أي يوم هو الثلاثاء. لكن في تلك الليلة غمرتنا عواصف رعدية جافة، كان البرق أشبه بومضات قوية تتسلل من النوافذ. خرجت ووقفت شاخصة بوجهي للأعلى. ابتسمت، تخيلت أن الله يلتقط بعض الصور.
في بعض الليالي أستيقظ بثقب أسود في صدري- يدوّي مثل إعصار ضارٍ، ويلفح كذكرى جدتي. جربت معه الدواء المضاد للحموضة.. كنوع من المساعدة. قصصت شعري، بمقص كبير بارد، رغم ذلك بدا شعري لطيفًا. كانت قصّة للتهذيب على أية حال، الجميع كانوا يعلمون أنها، على الأرجح، لن تجدي نفعًا مع القمل وبق الفراش.
كنت أبحث عن تشكيلاتي النجمية المفضلة في كل مكان، لكنني لم أرها بعد. المسافات بين النجوم مختلفة تمامًا هنا، أكثر اتساعًا. كنت اعتمد على اللغة الإنجليزية في التواصل مع الآخرين، لكن فيما يتعلق بالحب والرغبة، اللغة لا تهم. أعلى سطح خرساني في مكان ما على الطريق السريع، كان الليل يزحف نحونا، عندما سألني “رافي” البالغ من العمر ثمانية عشر سنة أن أكتب له رسالة غرامية.
رسالة ل “نيها” الفتاة التي يحبها. إنها تتحدث الإنجليزية، بينما يجهلها هو، لذا فإنه عاجز عن أن يشرح لي كيف أن هذا محرمًا، وأنه بالفعل بصدد الزواج من أي فتاة يختارها والدايه، التي بالتأكيد ستكون من البلدة، وبالتأكيد من الطائفة نفسها، وأخيرًا من المؤكد أنها ليست المتشحة بالحرير الأصفر التي ابتسمت لي في الصورة التي عرضها علي.
كتبت له الرسالة على أية حال. ذكر فيها شيئًا عن القمر، ونجوم السماء، وعن الطريقة التي تلمع بها عيناها وكيف أنه يتمنى لو أنهما معًا دائمًا. حين أعطيتها له، أخذها من يدي وقرأها بصوت مرتفع- هو لا يفهم معنى الكلمات، لكنه ثابر على قراءتها ببطء، وبين حين وآخر يتطلع في وجهي ليتأكد من أنه ينطق على نحو سليم. حين سمعت ما كتبت، علقت العبارات النمطية بيننا في الهواء مثل أنفاس كريهة. وددت لو استردتها وكتبتها من جديد.
كنت لأكتب:
عزيزتي “نيها”، حذاري من الأسطح. ليس لارتفاعها، وإنما لتسارع ضربات قلبك حال تعجلك في الصعود. يدا رافي بارعاتان في التسلق، أحب الطريقة التي يقف بها خلف أمه بينما تطبخ، لا لحرصه على مساعدتها، وإنما فقط ليشعرها بوجوده، ربما احتاجته ليحضر لها شيئًا من الرف العلوي. يعجبني شغفه بالخطابات الغرامية. سرواله قصير إلى حد ما، بوصات قليلة فحسب. هل سبق وجئت لزيارته هنا؟ على الأرجح لم تفعلي. الطواويس مهيبة، تموء مثل القطط، ولا أحد يعيرها اهتمامًا. لكن الذكور تواصل الرقص فوق أسطح البلدة على أمل أن يلاحظ ذيولها أحد.
حظ سعيد مع سرك الجميل.
سارا
عند نهاية الخطاب، قرأ “رافي” كلمة “أحبك”، الكلمة الوحيدة التي يفهمها، ثم ابتسم ابتسامة بهية وأومأ برأسه. في طريق العودة للسيارة، أخبرني المترجم أن رافي يريد أن يشكرني. طلبت منه أن يخبره بإنني أتمنى له حظًا سعيدًا، ففعل. لن يتزوجها، قالها المترجم بعد أن قطعنا بالسيارة عدة دقائق في الظلام.
قلت، أجل، لكن يستطيع أن يحبها.
إنه أوان الرياح الموسمية، أرى زوايا الشارع الطويل وقد تحولت إلى ضفاف أنهار والحفر الصغيرة إلى شراك للموت. العربات نفسها ليست آمنة. ثعبان الكوبرا الذي وجدته في ظل القنديل، كان أصغر كثيرًا مما ظننت، لكن ثمار المانجو كانت شهية تمامًا. ربما هذا هو السبب في أننا كلما قطعنا واحدة ، زحف عنكبوت خارج منها- لقد اتخذ من قلبها بيتًا. هنا، تبدو الأفيال برتقالية، أعتقد أن ذلك يعود لاحتواء الصابون على الحنّة.
.
* ترجمة: ضي رحمي.