بلا رجعة
عشتُ وحيداً، مع الكلب كامبيون، حتى بدأ وجوده يضايقني. أخذته إلى الغابة، وتركته مربوطاً بحبلٍ كان بإمكانه بقليلٍ من المثابرة أن يقطعه وأن يعود إلى البيت.
لم يكد يومان ينقضيان حتى وجدته يخرمش على الباب، فتركته يدخل.
حين أصبح الوضع لا يطاق، أخذته إلى غابة أبعد، وربطته إلى شجرة بحبلٍ أثخن (مدركاً أن العلّة ليست في الحبل، بل في وفاء هذا الحيوان. تمنيتُ سراً ألا يفك وثاقه هذه المرة وأن يموت جوعاً).
عاد بعد بضعة أيام.
أدركتُ بأن الكلب سيعود دوماً، لكني لم أجرؤ على قتله خوفاً من تأنيب الضمير. اعتقدتُ أنني وإن تمكنتُ من إضاعته بلا رجعة في غابة أكثر بعداً، سيكون عليّ أن أعيش في خوفٍ دائم من عودته، ليؤرق بها نومي وينغص عليَ مسراتي، سيكبلني غيابه بأشد مما قيدني حضوره.
بالكاد راودتني لحظة شك وأنا أقف أمام عظمة الغابة التي ارتفعت أمام ناظري- ظليلة، مجهولة، مستكينة. بعزمٍ، مضيتُ أسيراً متوغلاً نحو العمق حتى أضعتُ نفسي.
الحديقة
لم نكن لنتوصل إلى اتفاق حول مساحة الحديقة، وإن كنا اتفقنا بالفعل على أن مساحتها، من حيث ترى من الرصيف، أو من الممشى الذي يقسمها نصفين وصولاً إلى المنزل، تُقَدَرُ ببضعٍ وثمانين كيلومتراً مربعاً (ثمانية أمتارٍ في عشرة). إلا أن الجدل لا يبدأ إلا في اللحظة التي يتوغل المرء في أحراش الحديقة، عبر لبلابها ونباتاتها التي لا تزهر، يخطو بين حشراتها ودروب النمل، وبين نباتاتها المعترشة وسراخسها العملاقة وأشجار اليوكالبتوس المتطاولة التي تُسَرِّب، كلما تقدم المرء خطوة، أشعة الشمس، ماضياً بين آثار الدببة وثرثرة الببغاوات، والأفاعي المندسة في الأغصان، تلك التي ترفع رؤوسها بالفحيح حين نمر بالقرب منها، مغالباً حَرِّها الذي لا يطاق، والعطش والعتمة، وزمجرة الفهود. نَشقُ الطريق بمنجلٍ عبر الخضرة المغوية، بقبعاتنا وجزمنا العالية، في الليل والرطوبة والخوف، دون العثور على مخرج، دون العثور على مخرج.
*نص: ماريو لفريرو (1940-2004) كاتب من الأوروغواي صدرت له العديد من الروايات، مجموعات من القصص القصيرة، والكتب المصورة.
*ترجمة: مريم الدوسري