لم يكن يكتب وصيته،
ولم يشترِ كفنه كما قيل.
بل احتاج أن يتخيّل حبيبةً تنتظره،
ليلاعبها كدمية جميلة.
كان يلمس بأنفه جدران غرفته الصامتة،
كما لو أنها إطلالة على المدينة.
لقد تأخر كثيرًا،
لكنه فعلها، وخرج من لعبته القديمة…
خالعًا اسمه وبطولته.
هل اللعبة بدون لاعب تبقى “لعبة”؟
وهل الحياة بدون أحياء تبقى “حياة”؟
لأول مرة يقف في بيت الدرَج؛
أين مسار الخروج،
هل صعودًا إلى الأعلى، أم نزولًا إلى الأسفل؟
صعد بخطواتٍ أسرعَ من الزمن،
أبطأَ من الحقيقة.
هل كان واثقًا أنه سيجد مكانته في هذا العالم؟
كان يعرف أن سلاحه العتيق سيُخلع منه
بمجرد أن يفتح باب غرفته.
وأنه سيخسر هدف حياته الوحيد والمكرر،
الذي طالما حقَّقه بضغطة زر في الوقت المناسب.
كل ما يملكه الآن:
هو حلم وذاكرة.
ولن يشتري بهما إلا مزيدًا من الحنين.
عليه أن يتعلم كيف يعيش المرء شريفًا،
وكيف يمكن أن يعوّض سلاحه المسحوب
وهو بلا جيبٍ ولا محفظة؟
سيأخذ ما لدى الأطفال والضعفاء ليعيش،
ثم يبحث عن ما يكفّر به ذنبه.
باجتهاد المبتدئ واندفاع المهاجم،
سيصمّم طريقة موته بنفسه.
سيختبر الارتباك والندم
وإمكانية الغفران.
صار عليه أن يكذب أحيانًا
وصار عليه أن يختار:
« هل تُضحّي بحياتك لتنقذ غريبًا من الموت…
أم تتركه وتنجو بنفسك؟ »
« هل تواصل المشي لتصل…
أم تتوقف قليلًا لتتأمل الطبيعة؟ »
حبيبته لم تكن دمية كما تخيَّلها،
بل ممثلة طيّبة تؤدي دورها ببراعةٍ
ثم تمضي إلى حياتها الشخصية.
ربما لديها زوج وأطفال…
بدأت رغبته في تجربة الخيار الخاطئ تتناقص…
ها هو يستيقظ منتصف الليل
ليتحسس خياراته،
كما لو كانت سلاحه.
يؤرّقه مقياس شرفه
الذي سيحدِّد سيناريو نهايته.
يريد أن يكون موته أكثر صفاءً، وإنسانية…
إنه يحاول،
يحاول حتى وهو يحتضر.
سنشعر بالحزن عند رحيله.
ولا بد أن يبقى في القصة شيء لن يكتمل..
شيء ما في الحياة لن يُنجز،
ولا مجال لإعادة المحاولة…
____________
نص: محمد آل حماد




