محمود درويش: طائران غريبان في ريشنا

سمائِي رمادِيّة . حُكَّ ظهرِي . وَ فُكَّ
على مهلٍ ، يا غرِيبُ ، جدَائِلَ شعرِي. وَ قُلْ
لِيَ في مَ تُفكِّرُ. قُل لِيَ ما مَرَّ
فِي بالِ يُوسُفَ. قُل لِيَ بَعضَ الكلام
البَسِيط . . الكلامِ الذِي تشتَهِي امرأةٌ
أن يُقالُ لها دائِمًا . لا أُرِيدُ العبارةَ
كامِلَةً . أكتَفِي بالإشارَةِ تنثُرُنِي في مَهَبِّ
الفراشَاتِ بينَ اليَنابيع و الشمس. قُل لِيَ
إنِّي ضرُوريّةٌ لَكَ كالنوم ، لا لامتِلاءِ
الطبيعَةِ بالماءِ حَولِي و حولك. و أبسُطْ
عليَّ جناحًا من الأزرق اللانِهائِيِّ . . .

إنَّ سمائِي رمادِيّةٌ ،
و رمادِيَّةٌ مثلَ لوحِ الكِتابَة ، قبل
الكِتابَة. فاكتُبْ عليها بِحِبرِ دَمِي أيَّ
شيءٍ يُغيِّرُها : لفظةً . . . لفظتَينِ بلا
هدَفٍِ مُسرِفٍ في المَجاز. و قُل إنَّنا
طائِرانِ غرِيبانِ في أرضِ مِصرَ و فِي
الشام.
قُل إنَّنا طائِرانِ غريبانِ فِي
ريشِنا. و اكتُب اسميَ و اسمَكَ تحت
العبارةِ. ما الساعةُ الآن ؟ ما لونُ
وجهِي وَ وجهك فوق المرايا الجديدةِ ؟
ما عُدتُ أملِكُ شيئًا ليُشبِهَنِي. هل
أحَبَّتكَ سَيِّدَةُ الماءِ أكثر؟ هل راوَدَتْكَ
على صخرةِ البَحرِ عن نَفسِِكَ ، اعْتَرِفِ
الآن أنَّكَ مَدَّدتَ تِيهَكَ عشرينَ عامًا
لتبقى أَسِيرَ يديها. و قُل ليَ فِي مَ
تُفَكِّرُ حِينَ تصيرُ السماءُ رماديّة اللون . . .
إنَّ سمائِي رمَادِيّةٌ
صرتُ أُشبِهُ ما لَيسَ يُشبِهُنِي .
هل تُريدُ الرُّجُوعَ إلى ليلِ منفاك
في شَعْرِ حورِيّةٍ ؟ أم تُريدُ الرُّجوعَ
إلى تِينِ بيتِك. لا عَسَلٌ جارحٌ للغريب
هنا أو هُناك. فما الساعةُ الآن ؟
ما اسمُ المكانَ الذِي نحنُ فِيه. و ما
الفرقُ بينَ سمائِي و أرضِك. قُل لِيَ
ما قالَ آدمُ في سِرِّهِ . هل تَحَرّرَ
حِينَ تَذَكّرَ. قُل أيَّ شيءٍ يُغَيِّرُ لون
السماءِ الرّمادِيِّ. قُلْ لِيَ بعضَ الكلام
البَسِيط، الكلام الذي تشتهِي امرأةُ
أن يُقالَ لها بينَ حِينٍ و آخَرَ . قُلْ
إنَّ فِي وسع شخصين، مثلِي و مثلك،
أن يَحمِلا كل هذا التشابُه بينَ الضباب
و بينَ السراب ، و أن يَرجِعا سَالِمَيْن. سمائِي
رماديَّةٌ ، فبماذا تُفكِّرُ حِينَ تَكُونُ السماءُ
رماديَّةً ؟

من ديوان: سرير الغريبة – محمود درويش

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى