أخبروا الراحلين أن يعودوا – عبير فتحوني

أخبروا الراحلين
الذين يضمحلّون كلَّ ليلةٍ خلف سوادِ الليل
أنَّنا سئمنا من لعبِ الغُميّضة
وأنَّنا نهتفُ بالغمض منذ تلك الليلة وكلَّ ليلة
أخبروا الهاربين تحت جُنح الظلام، طرائد الليل
أنَّ الهزيع من الليل قد نَضب، وحلَّق طائر الكرى فوق أجفاننا
هجع القمر الساهر على انتظاراتنا يشيع آمالنا
كصلاةٍ لم تُتلَ، كقطارٍ تاهَ عن المحطة
كأرضٍ بوارٍ صوَّح نبتها وهي تنتظر
لا زلنا ننتظرُ
وعند كلِّ طرقةِ بابٍ نُسابق الخطوات
وحين يتوارى الغلس نعودُ إلى لحدنا
نملأ مسدساتنا بفُتات الخبز المُلقى على أسرّتنا
أخبروا من يهرب عند كلِّ ليلة نأمةً نأمة
تحت المصابيح الخافتة أنَّه ضوى
وأن النجوم الساهرة نامت وضحى النهار
فلا تمشي حافياً
المذياع صمّت والشوارع الطويلة تناءت
أخبروا التائهين منهم أنهم نسُوا وأننا لا ننسى
سنعيش طويلاً ولكنكم تكبرون بسرعةٍ
سنسيل إليكم جثةً جثة
كسلعةٍ كاسدةٍ سنتكدَّسُ تحت وارف ظلالكم
وعندما أتخلص من ظلال الطفولة
أريد أن أكون زورقاً وأبحر بعيداً عن الباب الموصد
وحين يسألني أحد عن حلمي، أخشى أن أقول
أنَّني أحلم كلَّ ليلة بأني ذراع وأَحتضنني
فلم أعد أنتظر
لكن أمي تنتظر مني أن أصير شيئاً
أن أصير مهنة وأترجم انتصاراتها
وهي تعلمُ أنَّني أسبل إلى الجدث كلَّ ليلةٍ
وفي الصباح أمُثّل أنَّني ماثل ولا أرتعش
أخبروا الراحلين
أننا صرنا أكبر من الليل وخمسين حزناً
وحدنا مثقلون بالعواصف نكتبُ قصائد وعود طويلة ونوفي بها
ننشد أغاني الأمل ونحيك ملابس صوفية
نقف على ناصية الحلم وصهوة الأمل ونحمل شواهد تخرجنا
نُربّي أحلامنا براحة يدنا وعلى أظافرنا مخايل أطلالنا
أخبروا الراحلين أن يعودوا
فقد صرنا رجالاً كباراً ونساءً جميلات…


*نص: عبير فتحوني

زر الذهاب إلى الأعلى