أنظرُ إلى ذاتي برأسٍ مائل – عبدالله العقيبي

1


أنظر إلى ذاتي برأسٍ مائلٍ إلى اليسار قليلاً
كرأس عازف الناي المائلة
كذلك أنظر إلى الحياة
وإلى الناس
والأشياء
لا أمدُّ رأسي إلى الأعلى
فذلك يؤلم رقبتي
كما أنّها طريقة قبيحة للنظر إلى العالم
لا أريد الكثير من الحياة
أريد أن تظلَّ ساكنة
لأتمكن من التقاط الجمال وهو يمر سريعاً ومموهاً كالنمور
الرأسُ المائلُ على الدوام يحتاج الصورة البطيئة ليتمكَّن من اقتناصها جيداً
أنا حتماً مصابٌ بمرضٍ ما يدفعني إلى جرِّ رأسي بهذا الشكل
لا أتهم العالم بالمَيَلان – على أنَّه مائلٌ بصورةٍ ما – المُشكلة في رأسي المثقل بشيءٍ ما لا أعرفه
لعلَّها الذكريات تكوَّمت
أو الخوف حين يكون أثقل بكثيرٍ من اللازم
أو لعلَّها مجرَّد كرة غولف كتلكَ التي يحاول الأطباء تبسيطها لمرضى الأورام
لكنَّني أحبُّ هذه النظرة وهذا المَيل القليل
ولا أعبأ بنظرات العابرين المُستقيمة


2

أقول
عندما تسألين هذا السُّؤال في المرة القادمة سأكون جاهزاً
ويحصل أن يأتي السؤال مباغتاً
ومرة أخرى أرى عينيكِ تَنظرانِ إلى أسفل حلقي
ولا تقولين لي أنَّكِ رأيتني أبتلع الحقيقة
حسناً
لن أخبركِ بالحقيقة يوماً
ليس لأنني خائف
بل لأنَّها لعينة وتهرب كلَّما قبضت عليها
الأمر معقد
تباً
فقط لا تغضبي
وإن أردت مَشورتي
يجب أن نفكّر سويَّاً في اختراع مَصيدة
أو لنترك الحقيقة مُختبئة ونبدأ في الصراخ
هيا!




3


لستُ ذلك الرجل الذي يلتهم المرأة الجميلة كدجاجة مشوية
أنا أحبُّ المرأة التي تهوى الثرثرة على السرير
و في المطبخ
و أمام التلفاز
وعلى طاولة الطعام
وكم أحبُّ المرأة الحزينة التي تمشي عارية في البيت
تلكَ التي تُدلّك جَسدي بسخونة دموعها
والتي تحكي قصصها عن قمع و ظلم و استبداد الرجال
حتى لو كانت ستعترف لي بعد ذلك بأنَّ جميع قصصها كانت من نسجِ الخَيال
تلكَ التي تهوى شتم الرّجال
أريد واحدة من النساء اللائي يلدن الحُزن كلَّ ليلة
و يعرفن الطريق إلى قصص الوَحشة و الكوابيس
أريدها الآن
أنا جاهز ومستلقٍ في الماء الساخن
أريدها أن تَتَعرَّى أمامي وتقعد على طرف حوض الاستحمام
و تبدأُ في البكاء


4


الأشياء التي أفعلها بعيداً عن عين أمي وزوجتي وأبنائي:
تربية قَطيعٍ من الحُزن
صرف المال بسخاء على امرأة لَعُوب اسمها الوحدة
مكالمات ليلية طويلة مع فتاة ماتت من عشرين عاماً
الانتحار كلَّ يومٍ بحُقَن اليَأس
الكتابة كلَّ يومٍ


5


يجري أخي الأكبر في الشارع وراء ابنه الأوسط شاهراً مسدسه
وروح أبي تصرخُ من النافذة:
توقف!
الجيران لا يرون روح أبي وهي تنظر من النافذة و تصرخُ بأعلى ما أوتيتْ من موت:
توقف!
الجيران مشغولون بهذا المشهد الذي سَيَملأ فراغ أيامهم القادمة
أخي الأكبر لم يبكِ يوم مات أبي
تماسكَ حتّى النهاية
لكن دمعته انحدرت اليوم حين رفع نظرته أمام نافذة أبي
سمع صراخ روح أبي بوضوح لكنَّه لم يتوقف
روح أبي قفزت من النافذة


6


الأمس جندي يقوم بتنفيذ الأوامر الصغيرة
يركلُ مُؤخّرتي
ويأخذني عبر ممرٍ ضيّق إلى غُرفةٍ رَطبةٍ
اسمها العُزلة


7


شربتِ الغَزالة
ثم هَرَبت إلى السُّهول
وأنا البحيرة أنتظرُ عَطَشها


8


فقدانُ الأمل يَهجمُ كلَّ يومٍ
في مواعيد مضبوطة تماماً
سقطَ من يَدي كوبُ الحليب الساخن
فبكيته بكاءً مراً
كما لو كان آخر كوب حليب ساخن في العالم
لم أعد أريد كوباً آخر
أريد هذا الحليب المسكوب
وأريد أن تعود اللحظة
أريد أن أتعلم كيف أمسك بالأشياء
واللحظات
والكلمات
هذا التَّعثر اليوميّ أهلكني


9

جُثَّتي في صندوق سيارة صديقي
ولا يعرف أين يُلقي بي
أخبرني قبل سنوات بأنَّني لو لم أبقَ صديقه هذا يعني أنَّني قد مُت
و أنا الأبله لم أفهم




*نص: عبدالله العقيبي
*من ديوان: تباً كخطأ مقصود في ترجمة الأفلام

زر الذهاب إلى الأعلى