فكرة البيوت – إيمان مرسال

أشخاص:
بلدان:

بعتُ أقراطي في محلّ الذهب لأشتري خاتماً من سوق الفضة. استبدلتهُ بحبرٍ قديمٍ وكرّاسٍ أسود. حدث ذلك قبل أن أنسى الصفحات على مقعد قطار كان من المفروض أن يوصلني الى البيت. وكان كلما وصلتُ إلى مدينة بدا لي أن بيتي في مدينةٍ أخرى.

تقول أولجا من دون أن أحكي لها ما سبق: “البيت لا يصبح بيتاً إلا لحظة بيعه، تكتشف احتمالات حديقته وغرفه الواسعة في عيون السمسار، تحتفظ بكوابيسك تحت السقف نفسه لنفسك، وسيكون عليك أن تخرج بها في حقيبة أو اثنتين على أحسن الفروض”. أولجا تصمت فجأة ثم تبتسم، مثل ملكةٍ تتباسط مع رعاياها، بين ماكينة القهوة في مطبخها وشُبَّاك يطلّ على زهور.

زوج أولجا لم ير مشهد الملكة، وربما لهذا لا يزال يظنّ أنّ البيت هو الصديق الوفي عندما يُصبح أعمى، أركانه تحفظ خطواته وسلّماته ستحميه برحمتها من السقوط في العتمة.

أبحثُ عن مفتاحٍ يَضيع دائماً في قعر الحقيبة، حيث لا تراني أولجا ولا زوجها، حيث أتدرب في الحقيقة حتى أتخلى عن فكرة البيوت.

كلِّ مرةٍ تعود إليه وتراب العالم على أطراف أصابعك، تحشر ما استطعت حمله في خزائنه. مع ذلك ترفض أن تعرف البيت بأنَّه مستقبل الكراكيب، حيث أشياء ميتة كانت قد بدت في لحظة ما تفاوضاً مع الأمل. ليكن البيت هو المكان الذي لا تلاحظ البتة إضاءته السيئة، جدار تتسع شروخه حتى تظنها يوماً بديلاً للأبواب.


يمكنكم الاستماع لنقاش هذه القصيدة في حلقة بودكاست مقصودة، والاشتراك لمتابعة حلقات الإلقاء والنقاش التي تقدمها ببراعة فرح شمَّا وزينة هاشم بيك.


*نص: إيمان مرسال
*من ديوان: حين أتخلى عن فكرة البيوت

زر الذهاب إلى الأعلى