هجرات وقصائد أخرى – كاظم جهاد

هجرات

كان ينبغي أن نبلغَ النبع دون أن يضحي بقرينهِ أحد. كان ينبغي أن نهدرَ وسط العاصفة بجلاءٍ أكبر. كان ينبغي أن يتخلَّص الشعراء من جلّادِ كان ما برحَ في داخلهم يعمل. كان ينبغي الاحتفاء بصيحات أمهاتنا يودعنَنا على أعتاب مستقبلٍ يمتد أمامنا كالليل البهيم. كان ينبغي أن يتكوَّر القلب نفسه في شكل قارب أرياف يُبحر في ظلمات الدنيا دون التفات . كان ينبغي الاحتفاظ بالصحو كلّه.


هزيمة النسر

لدقائقٍ طويلةٍ تقبع الفريسة بينَ مَخالب النسر. بقدر ما يُضاعف النسر طعناته، ثملاً بالنّصر، تتأمل هيَ اكتنازها بالألم وتشعرُ بأنها غير قابلةٍ للانتهاك. كلُّ واحدةٍ من خلايا جسدها تعزف قدّاسَ احتفال. من زمنٍ وهي تجاور الخطرَ، مغويَّةً باجتياز الخطّ الفاصل بين نعمةِ أن تكون وفداحة ألّا تكون. عندما يكتمل التهامها من لدن النسر، يرسم الفضاء بالدّم لطائفَ من المعنى يعجز النسر في تسارعِ البطش عن أن يُدركها. وهنا بالذات مَكمن هَزيمته.


شتات

جالسٌ في الأصيلِ أُلملم شتاتي. يَنبعث الماضي من جمرةٍ في الفؤاد لا تخمد إلا لتشتعلَ بأوارٍ أكبرَ وعافيةٍ أشدّ. الماضي المُفعم بروائح الطّلع وتنهدات النسوة يخرجن للربّ أثداءهنّ ضراعةً وسخطاً.

في تنورٍ مُطفأٍ اختبأتً ذات ظهيرةٍ أستنشقُ الرمادَ باحثاً عن شفاعة الهواء، في ظلمتهِ الغامرةِ نضجتْ روحي وانفاقتْ في الفضاء مثلَ ثمرة رمان.

وفي غفلةٍ من الملائكة نبتَ لي من شدّة الوجد جناحان. منذُ ربع قرن وأنا أجابهُ صخبَ المارّة وجحودَ الأصحاب بخفقِ هذين الجَناحين، خفقٍ ميمونٍ لا يَهدأ إلا ليعاود الانطلاق بأوارٍ أكبر وعافية أشدّ.


يمكنكم الاستماع لنقاش قصيدة (هجرات) في حلقة بودكاست مقصودة، والاشتراك لمتابعة حلقات الإلقاء والنقاش التي تقدمها ببراعة فرح شمَّا وزينة هاشم بيك.


*نصوص: كاظم جهاد
*من ديوان: معمار البراءة

زر الذهاب إلى الأعلى