لن أقول شيئاً هذه المرَّة – مهدي سلمان

الكلامُ بركة كبيرة، راكدة وآسنة، أقذف فيها حجراً،

اليعاسيب تطير من حولها، الضفادع تتقافز على مائها،

يخرج الأخضر الكامن فيها، أقفُ على مشارفها، رافعاً

طرفَ ثوبي، وقدمي في الرخو، وأصرخ في الصدى:

لا أحد على صليبك سواي

أنا وحدي هنا:

لا أحلمُ بشيء، لا أفكرُ في شيء، ولا أتذكرُ شيئاً، أحاولُ أن

أكونَ حجراً في طريقٍ معزولة، لم يلمس منذ ملايين

السنين، وحدهُ الهواء يمرُّ عليهِ وئيداً، لا يحفرهُ ولا يحرّكه،

يلمسهُ بتوجّس ويذهب.

حجرٌ كالصمت

صغيرٌ ومهمل

ويسدّ مجرى المعنى.

2

إنني لا أكتب، أنا فقط أحكّ للظُلمة جلدها الثقيل بأظفار القلق

الوحشية، علّها ترغب في احتضاني يوماً.

لن أغامر بشيء، سوى بهذا الرأس، الذي لا فائدة منه، الذي

يتدحرج بلا توقف نحو المجهول، ويجرّني معه.

فلأفترض أني قادر على هذا الشيطان الذي داخلي، لكن

كيف أقدر على صوره الكثيرة التي تتجلى في كل هذا

الوجود؟ ياللخدعة الماكرة.

قمرٌ مكتملٌ مثل فضيحة، بردٌ ناقصٌ بخبث، وموسيقى

سوداء حزينة تحكُّ رطوبةَ الشارع

هذا ليلٌ يليقُ بانفصال،

يليقُ بابتسامة الخاسرين، بتنهيدةٍ يائسة تتدحرج ببطء على

عقارب الساعة، ولا تسقط.

وها أنا بلا ضمير

أحاول كتابة قصيدة تفضحني.

3

أحلامٌ تعبثُ برأسي وتحيله فقاعات وحل، غربان من هواء

بارد يحطون على ندمي الواسع، تفقأ تذكري الرخو

بأجنحتها اللزجة مثل بركات السماء، ومناقيرها الحادة

كصداي.

واقفٌ أنا، أهشهم بيديّ المكتوفتين، أعض رقابها بأسنانٍ

صدئة وأبكي، وحينما الدم الحار من رأسي ينفجر، ويبلل

جسدي المرفوع على صليب الهزيمة، أغمضُ عيني في

الختام البرتقالي.

النوم نفقي إلى الهاوية، أحفره بصبرٍ مستحيل، كل ليلة.

ولا ينتهي، ولا يصل. سأحفر نفقي إلى العالم، بحذر.




*نص: مهدي سلمان

زر الذهاب إلى الأعلى