معنى الموت – قاسم حداد

من ملحمة: طرفة بن الوردة

“طرفة بن العبد”

معنى الموت

لم أكتشف سِرَّ ابتسامتكِ الغريبةِ وقتَها
كنَّا نذوبُ عذوبةً وأنوثةً
كانَ العناقُ الحرُّ والمجنونُ يأخذنا هنالك
كانت الكلمات لا تقوى على المعنى
يدانا ريشة في الغيم نلهو عن مشاغلها


كتفان في شغفٍ، ووشمُكِ نافرٌ
أسماؤنا في الأرض
نكبحُ شهقنا ونعالج البركان
نغفو في شظايانا فنوقظها بصمتٍ طائشٍ
ونَفُزُّ في خيلِ القبائل حولنا نارُ العناقات الوشيكة
لا نؤجلُ ما يحضّ على الرهائن بغتةً
تبدو ابتسامتكِ الغريبة ضحكة مكبوتة
كنتِ تدارين انتظاراً ما
فألمحُ عابراً يجتازنا
سرُّ الغريبة فيِكِ لا يخفيك
شيءٌ شابحٌ عبرَ احتضانتنا
أرى عينيكِ لا تريانني
ويداكِ تلتمسان أشياءً
وصوت الناي يأتي من مكانٍ ما
كخيطٍ غامضٍ يمتدُّ فينا الآن


أذكرُ أنني حاولتُ شَدَّكِ فانتفضتِ
كأنَّما شخصٌ غريبٌ يعتريكِ
نهرتِني
فصرختُ في الشهوات عن نوم القبيلة وانتباه الخيل
أنْ يكفي جنوناً
وابتسمتِ
لم أكتشفْ سرَّ ابتسامتكِ
فما الشيء الذي تخفينَه ويُخيفُ
مرَّتْ غيمةٌ
فارتجَّ في الجسدين برقٌ وانتبهتُ لكلِّ أعضائي تُكابر
بغتةً غابَ الهواءُ
وكَفَّتْ الأنفاسُ عن جريانها


لم أُدرك المعنى
ولكني شعرتُ بأننا مِتنا فهل كنتِ ترينَ بأنَّنا في شرفةٍ تهوي بنا،
من دون أن ندري؟
فهل في لحظةِ الحبِ انتهاءٌ موشكٌ
هل للقبيلة للسُّلالة لاحتقانِ الدمّ
شكلٌ شاخصٌ يطغى علينا عندما نفنى
وهل كُنّا نموتُ؟


البُكاء

وبكيتُ من ويلِ انتظاري
كلَّما طالَ انتحرتُ
أردُّ الموتَ عنكِ وما أتيتْ

بكيتُ أصقلُ دفتر الصحراء في دمع القصيدةِ
في يدي وعدٌ لديكِ وما أتيتْ
بكيتُ في ليلٍ نحيلِ الضوء في شغفٍ
بكيتُ كأنَّ لي فيكِ احتمالاً نادراً يحنو عليكِ وما أتيتْ
بكيتُ مثل طفولة الأشياء
مثل الأخضر الوحشيّ في الغابات
مثل الحزنِ في الناياتِ
وما أتيتْ
بكيتُ في بيت الطبيعة وهي تكتبُ شِعرَها
تفشي لي الأسرارَ مأسوراً بها
لكأنها تبكي عليَّ وما أتيتْ
بكيتُ وحدي والقصيدة وحدها ودمي وحيدٌ
وانتظاراتي هنا
تمحو يداً وتمدُّ أخرى
مثلما يحنو كلامُ الله من ولهٍ عليكْ
وما أتيتْ
بكيتُ أكرز في شعوب الله كي تأتي
فهل يكفي بكاءٌ صارخٌ في وحشة الصحراء
هل حبي نبيٌ في رعيته وقلبكِ خارجٌ في الشكِّ
هل أبكي عليكْ


*نص: قاسم حداد
*من ديوان: طرفة بن الوردة

زر الذهاب إلى الأعلى