مرتقى الأنفاس – أمجد ناصر

ليست رماحُ الجبابرةِ ولا مُدى الأقزامِ
بل
يدُكِ
بل
أصابعُ يدِكِ
لا
بل
أنفاسُكِ
تشقُّ الهواءَ الخالد أثلاماً وتتركُها لبذار الألم
المنقولةِ بالثَّنية واللِّسان أسمعُها تحت دُخنة
الخشخاش تستدرجُ أوثان حياتي باسطةً أكفَّها في الوصيد،
ارتقيتُ مدارِجها رافعاً حيرتي رايةَ من سلَّم أمرَهُ للهبوب

ليس السيفُ
ولا حجرُ الماسِ
بل
الأنفاسُ
بل ما هو أوهى
استرقني من علوِّ يقظتي
واسترقني أنا المسنودُ ببأسِ سُلالتي والتعاويذِ
لي الليلُ متروكاً كلُّهُ
السُّهادُ على رسلهِ
الهواءُ مطعوناً بالأنين

وقعتُ كما يقعُ السَّادرُ مَرَحاً في خفَّتهِ
لا نَسبي يُرجعني اليومَ إلى منزلتي بين الأهلينَ
ولا ارتدَّت عيناي بدَرَكٍ من هاويةٍ تسحبني
إليها الأجراس.

الأنفاسُ
أرخَتْ
نقابها
الهَوى
القاسي
اجتَباني
الأمارة
لوَّحتْ
بنذيرها.

في يقظةِ الأسيرِ لمصائرِ الليل الحارسِ
سمعتُ وقعَ خطىً
تردُّدَ أنفاسٍ
حفيفَ ثيابٍ
مَسَّني طائفٌ من رياشٍ فلمحتُ طيفَكِ
يهرقُ نوراً على الطرف المُظلم ويعدُ بسهرٍ
يبسطُ آلاءه على من تصطفيه التباريحُ من بين لاهين، تخفَّفْتُ من متاع المكين على الأرض وقلتُ
إنِّي أنا الأخفُّ من العُرجونِ أقتفي دون مِنَّةٍ ما تركه مُرورُكِ حافيةً على الأعشاب،
لا بخائنة العين، ولكن بكدحِ الفؤادِ أضربُ في مناكِبها مُعرضاً عمَّا يرفعهُ القائفون
إلى منزلة الأثر

على رابية الحسرةِ
تبرَّأتُ من النجمِ الذي لمولدي
ومن مهارتي بين الأقران.
وَسَطَ العابرين بأكتافٍ كبيرةٍ
كنتُ ذا القامةِ المائلةِ

تحت البروقِ جنحتُ إلى السفوحِ
تتلقى صامتةً عظات الذُّرى

وسمعتُ تحت وقر السَّماء
تفلُّق الشيء في عزِّ هجرانه

صادفتُ تلالاً تولدُ من سهو
الرواسي

وأرواحاً تهيمُ مختومةً بحدود الهاجرة،

مررتُ بعوسجٍ
يتفشَّى في الشعاب على غير هدًى
فقلتُ له يا أخي
وبما حملتني عليه قواي شاطرتُ تُراباً
يحتضنُ بذرةَ السُّمِ وبذرةَ الترياق
جاء جمعٌ، رفعَ الغبارُ بيني وبينهم حجاباً
فقفلوا عائدين بأسلاب الهباء،
وآويتُ إلى جبلٍ علّني أقبسُ مما تراءى.


(ما كذبَ الفؤادُ ما رأى)

ولا العينُ التي ضَرَبتُ عنها صفحاً
وتركتُها ترعى صورَ الفانينَ
ولا اليدُ التي عادت إليَّ بنبأ الرُّكبةِ
ولا رائحةُ الهالِ التي لازمتني
وحيثما مررتُ فضحتْ سرَّاً
أنا
أجهلُ
جاهليه
ولا أنفاسي التي جسَّمتكِ
وتدرَّجتْ، صُعُداً، من أخمص القدمِ إلى التُّرقُوةِ
وكادتْ بعدما شارفتْ جنَّتَّكِ أن تهجرني.

ولا كذبت قطرةٌ من دمِ الأقحوانة
سالتْ
فصنعتْ
شفقاً
لا
يريمُ.

.. ولكن
ما بالُ هذه الكاسُ
وتلكَ الدُّخنةُ
لا تأخذان بيدِ السُّهادِ
ما بالُني
لا أغيبُ
ولا أصحو.
وكأنَّني ما رأيتُ
وما لمستُ
وما تنفستُ ما تَرَكتْهُ أنفاسُكِ
على يديَّ.

ليست نجمةُ المجوسِ
ولا نارُ بني أهلي هذي التي تُضيءُ
وتختطفُ
إنَّما
طيفُكِ
عابرٌ
بين قمَّتين
أو لعلَّها أنفاسُكِ
تستدرجُ وعوداً لا تموتُ ولا تحيا
أو ربما حَسرتي
ترمي شُواظاً في صميم الليل
وتجسُّ قرارَ الهاوية.

أخفُّ من أملٍ على جبل القنوط
الرِّيشةُ التي تحرَّرت من ورطةِ
الجناح
أثقلُ مني في كفَّة الرِّيح.
فيا لنفسي
أمَّارةٌ بالألم
ويا لفمي عطشانُ على حافَّة النبع
ويا ليديَّ
ادعتا وصلاً
وعادتا خاويتين.

مُتوَّجٌ بخفَّتي
عرشي على الهواء
مسنودٌ بحُرقة الأنفاس.

خِفَّتي ما أبقت لي أثراً على الأرض
ولا رَفَعتْني إليكِ
آه خفَّتي
ارفعيني
أو ذريني بكتفٍ مائلةٍ
أصدُّ غباراً يهبُّ على خُطى طفولتي
بين الرُّمان.

آه خِفَّتي
وصلَ الغريبُ
بلا بارحةٍ أو غدٍ
وصلَ
الغريبُ
على
آخر
نَفَسٍ.


نص: أمجد ناصر
من ديوان: مرتقى الأنفاس

زر الذهاب إلى الأعلى