أكتبُ الشِّعر في المراحيض
وعلى سرير الموت
في الحدائق العامة بينما يأكل البشر عقولهم بأفواههم
وفي غرفتي المسكينة حيث تموت الوحدة من الوحدة لِتُخلق وحدة جديدة.
أنا بلا عَيْن وبِعيْن
أنا بلا فهم وبإحساس
أرى طريقًا سوداء حيث لا أحد سواي
زرعت بعقلي مصباح في مقدمة قصيدة ولم أرى سوى نفسي
هذا العالم الذي مركزه عقلي يقتل الأحياء برمشة عين
وهذه الشمس التي فوقي تتوسد أفكاري لتنحني على ضوءها.
كتبت الشِعر في منازل الفقراء
وعلى أفواه الفلاسفة
إلّا أنني لم أجد نفسي
أين نفسي؟
إلا أنني لم أجد إلا الشِعر
كيف أتخلص من الشِعر
يجعلني ميتة
غير مرئية
حقيقية أكثر
وغير مرغوبة إلا أمام شجرة .
كيف أتخلص من نفسي ؟
“عندما تتوقفين عن البحث عنه
سيبدأ الشعر في البحث عنك”
لا تبحثي عن الشعر
سيجدك في جميع الأحوال.
توقفي عن البحث عنه
الشعر يبحث عنك أيضًا.
وإذا حدث وأن غادرني؟
سيعود في الثلاثين.
وإذا حدث وأن تركني؟
سيفتقدك .
وإذا حدث وأن تخلى عني الشعر؟
لا يتخلى الشاطئ عن أمواجه .
وإذا حدث وأن كرهته؟
سيلتصق بأنفاسك
هل سأنجو؟
بالطبع ، بالشعر ستفعلين.
هل سأنجو من الشعر؟
بالطبع ، بالشعر نفسه ستفعلين.
وإذا حدث وأن تركني في أصعب الأوقات؟
سيعود في الأوقات الأصعب.
هل يحب الفراغ؟
يتغذى عليه.
هل يخاف الفراغ؟
أحيانا يطرد.
هل يأتي من الفراغ؟
يأتي من فراغ الألم.
هل يفرغ الألم؟
بالطبع، يتغذى عليه الشعر ليُكتب.
هل يموت صاحب الشعر؟
يموت جسده.
هل يموت الشِعر؟
لا يموت إلا ما هو موجود.
هل أنا موجودة ؟
اسألي الشعر.
أرغب في الموت
قبل يوم القيامة
بجرعة مضاعفة
من الأسبرين
أو بنوبة عطش
توّاقة
للكافيين.
ربّما تلتهم نصوصي القديمة أنامل أصابع يدي لأنني لم أكتب منذ يومين، فيقول لي الطبيب: يجب بتر معصميك قبل أن تتعفن ذراعيك كاملة “
كيف أخبره بأنّ العفن الحقيقي موجود في روحي وأحتاج يدي لأكتب -أنقذ جزء منها عند كل نص أكتبه-
يبتر الطبيب معصمي، فأموت مخنوقة.
سأموت قبل يوم القيامة
لا أعرف كيف
قد يقتلني صداعي في ليلة أبحث فيها عن رائحة القهوة لتحتضن ألمي ولا أجدها لأنّ أبي يحب الشاي
ولأنّ أمي تحب الحليب
ولأنّ كلاهما لا يملكان الوقت لإحتضاني.
سأرغب في الموت
قبل يوم القيامة
لأعيش فترة أطول
في العدم
في الشساعة
في البرزخ
حيث ينمو الشَّعرُ هناك
كما ينمو الشِّعرُ هُنا.
لن أضطر
لحلقِ شعر قدماي
كل أسبوع
لأنني فتاة و يجب أن أكون جميلة
أُنثى القِرد ترتدي الشَعر
الذي ينبتُ عليها منذ ولدت
لكنّها الأجمل في نظر ذكرِها.
لن أضطر لتحمُّل
طبقات الملابس التي أرتديها في هذا الحرّ
لأنني فتاة و يجب أن لا يفتن جسدي الرجال.
سأكون عارية
كما ذاتي من أحلامي
لا شفرات حلاقة
و لا أقمشة
يغطي الشَّعر جسدي
بدون إحراج
كما يغطي الألم روحي.
سأموت قبل يوم القيامة
بسنة
أو بسنتين
وقت كافي لأقابل المُعذّبون.
أسأل سيلفيا عن نوع الفُرن
عن آخر قصيدة
و الوقت الذي استغرقته
لتُسافر بالألم من الألم
أقول لها : ” هل أنهى موتك الألم، هل أفعلها! “
أسألُ سقراط
عن معنى الحكمة
عن حدّة الحبل الملتف حول عنق الحياة
التي حال الخروج منها فشُنِقْ.
أقول له:” هل أنهى موتك الألم، هل أفعلها!”
أسأل فان جوخ
عن سرِّ الحركة الدائرية
عن الوجه الذي خلف وجهه
عن حكاية عبادات الشمس الذابلة
وعن المخدر
إن لم يكن الألم فماذا يكون!
أقول له:” هل أنهى موتك الألم، هل أفعلها!”
أرغب في الموت
قبل يوم القيامة
أجل..
لا أعلم
أحتاج هذا بشدة
و في أقرب وقت
أو سأنتحر داخل قصيدة.
بين سطور شِعر
لشاعر أسمر مجنون
من إفريقيا الجنوبية
مات قبل سنة
لأنّه يكتب كثيرًا.
أو ربما قريبًا
ستقضي عليّ الشفرات اللحمية الحادة التي بداخلي
-الوحيدة التي تعمل داخل قلبي المعطوب
وسأقابل حينها، أخيرًا، الهناء.