كان وراء البنت الطفلةِ
عشرةُ أعوامْ
حين دعته بصوتٍ مخنوقٍ بالدمعِ:
حنانك خذني
كن لي أنت الأبَ
كن لي الأمّ
وكن لي الأهلْ
وحدي أنا
لا شيء أنا
أنا ظلّ
وحدي في كون مهجور
فيه الحبُّ تجمّدْ
فيه الحسُّ تبلّدْ
وأنا الطفلةُ تصبو للحبِّ وتهفو
للفرحِ الطفْليِّ الساذجْ
للنطّ على الحبلِ
وللغوصِ بماءِ البركةِ
للّهو مع الأطفالْ
لتسلّق أشجارِ الدارْ
القمعُ يعذبني
والسطوة ترهبني
والجسم سقيمٌ منهار
أرفعُ وجهي نحو سماءِ الليلْ
أهتفُ
أرجُو
أتوسّل:
ظلّلني تحت جناحيكَ
أغثني
خذني من عشرة أعوامِي
من ظلمةِ أيامي خذنِي
وسّعْ لي حضنَك دَعْني
أتوسَّدُ صدرَك امنحني
أمنًا وسلام
يا بلسمَ جرحِ المطحونينْ
وخلاص المنبوذين المحرومينْ
خذني!
خذني!
يجري نهرُ الأيام يمرُّ العامُ
وراءَ العامِ وراءَ العامِ
الطفلةُ تكبَرُ والأنثى
وردةُ بستانْ
تتفتّح والأطيارُ تطوفْ
وتحوم رفوفًا حول الوردةِ
بعد رفوفْ
الزّمنُ الصعْبُ يصالحها
ومجالي الكوْن تضاحكها
والحبُّ يفيضُ عليها
من كلّ جهات الدنيا
ويطوّقها بتمائمه
ويباركها بشعائِرِه
ويساقيها من كوثرِهِ
ما أحلى الحبّ وما أبهاه!
الأنثى الوردةُ بعد سُراها
وتخبّطها في ليلِ متاههْ
تتربَّعُ في ملكوتِ الحبّْ
تصير إلههْ
هالاتُ النورِ تتوّجُها
وتلاطفها قُبَلُ الأنسامْ
ما أحلى الحبّ وما أبهاهْ!
فيه الليلُ سماءٌ تَهْمِي
تُمطر موسيقى وقصائدْ
وقناديلُ الكلماتِ تصبُّ
الضوءَ على أملٍ واعدْ
ما أحلى الحبّْ!
تتفتح فيه عيون القلبْ
ما أحلاه حين يمسُّ شغافَ القلبِ
فيبصرُ ما لا يبصرهُ العقلُ ويدرِكُ
ما لا يدركه الفكرُ ويسبرُ ما لا
تبلغُهُ الأفهامْ
ما أحلى الحبّ وما أبهاهْ!
كونٌ مكتملٌ ومعافى
لم يتشظَّ ولم يتمزَّقْ
يتناسق فيه العمرُ ويمسي
إيقاعًا كونيّ الأنغامْ
تتماهى فيهِ (أنا) مع (أنتْ)
تزهو بحوارٍ موصولٍ
حتى في الصمتْ
ما أحلى الحبّ وما أبهاهْ!
يحيا بين يديْه رميمْ
تندى أرضٌ, تحضرُّ عظامْ
فيه الزمنُ المسحورُ يقاسُ
بدقّاتِ القلبِ المبهورْ
لا بالسَّاعاتِ يُقاس ولا
بتوالي الأشهرِ والأعوامْ
ما أحلى الحبّْ!