شقٌّ طويلٌ
وسط صدري
شقٌ طويلٌ
شقٌ مفتوحٌ
كأنه حفرةٌ
أو هاوية
أداريه دائماً
بجلدٍ شفافٍ
جلبتهُ من سوقٍ
شعبي
كلما مر أحدٌ
من أمام هذا الشق
وقع فيه
حتى صار صدري
مُمتلئاً
بالعابرين
والشحاذين
والتائهين
والذين يعرفون أيضاً
طريقهم
ما يُخيفني
ليس أن صدري
لم يعد به مكان لمزيدٍ منهم
ما يُخيفني
هو أن يفكر أحدهم
أن يطل برأسه
ويباغتنى.
ظَنَّ أني شارعٌ
البقال
الذي رشني بالماء
هذا النهار
لم يكن يقصد
-للأمانة-
أن يُبللني..
ظنَّ أني شارعٌ
وحتى
لا أخيب ظنه
ذبتُ تماماً
في الوحل
وحين مرت
سيارة مسرعة
من أمامه
وجدني عالقة
على شاربه
وعلى ساعديه
وبنطاله الساقط.
قبرٌ وحيدٌ على الطريق
أمس
حلمت بالقصيدة
التي أفكر في كتابتها
حلمت بقبرٍ وحيدٍ
على الطريق
قبرٍ يضم جسداً
واحداً
قبرٍ لا يزوره
أحدٌ
ولا يعرف أحدٌ
من المارة
والعابرين
كيف أتى إلى
هُنا.
ووجدتني أقول لنفسي
في الحلم:
ربما مشى هذا القبر
وهو نائم
فوجد نفسه
هُنا،
أو ربما طردته
عائلته
فلم يجد مكاناً آخر
سوى هُنا
ربما تعب قليلاً
وهو يتنزه
فأراد أن يستريح
أو ربما جاء
ليتشمس
ربما كان ينتظر
“باصاً”
أو حبيبة
ربما ضل الطريق إلى
الطريق.
ليلٌ يزحف على بطنه
“البرطمان”
الذي أعبئ فيه
الليل والوحشة
وأضعه فوق دولاب بيتنا الكبير
دولاب بيتنا الوحيد
سقط مني
وأنا أحاول إنزاله
لأضع فيه مزيداً
منهما
“البرطمان” تهشم
وتناثر فتاته على
البلاط.
الوحشة لم تصدق نفسها
وهرولت بعيداً،
بينما بدأ الليل
-يا لدمي الهارب-
يزحف على بطنه
باتجاهي.
حوائط غرفتي
.. أنا
حوائطُ غرفتي
كُلما حلّ الليل
تبكي.
يقولون إن الوحدة تأتي
.. أرعى العنكبوت المُختبئ
في درج مكتبي
علبة الجبنِ انتهت صلاحيتُها
والقطعة المُتبقية من قلبي
تجمَّع حولها النمل
لا شيء يُفعل
في الليلِ
أتمدد على جسدي
دون خوفٍ من
السقوط
يقولونَ إنْ الوحدةَ تأتي
حين يُكلّم الواحد نفسهُ
وهو عارٍ
أُحكمُ غلق أزرار
بيجامتي
أرتدي بنطلوناً
قطنياً
وأرفع شعري كذيل
حِصان.
ساعة مُعلقة على الفراغ
أحلمُ أن أكون ساعة
مُعلقة على الجدار
أحلمُ أن ينهدم الجدار
ويسقط مني الوقت
وتهرب العقارب
أحلمُ كثيراً أن أكون ساعة
مُعطلة
ومُعلقة على
الفراغ.
الطريق
أريد أن يكون الطريق جسدي
أريد أن يكون جسدي الطريق
أريد أن يمشي الناس عليّ
ويضلّوني.
قلبي
الحصاة التي قفزت في حذائك
التي أمسكتها بأطراف أصابعك
وألقيتها بعيداً
كانت
قلبي.
على الأشياء أن تكون نفسها
على الماضي أن يبقى ماضياً
على الميت كذلك
على الوردة وبراد الشاي
على الأشياء أن تكون نفسها
على عينيّ مثلاً ألا تفكرا
في أن تتحولا إلى
أذنين
على رأسي ألا يحلم
بالمشي
وعلى ساقيّ ألا تطمحا
إلى الطيران
على أنفي أن يتقبل
أنه خُلق هكذا
وحيداً.
على أصابعي العشرة
التوقف عن المشاجرة
واستيعاب فكرة
أن لا واحد منها يُشبه
الآخر.
على ذراعيّ أن تتواضعا
قليلاً
لأن وجودهما
في أعلى جسدي
لا يميزهما في شيء
على بطني الرضا
بأنه مكتنز
بعض الشيء
على باب غرفتي
الذي أفتحه كثيراً
وأغلقه كثيراً
ألا يقوم بدور أمي
وألا يحتضني
كُل صباح.
حفل الميلاد الأخير
كل الذين معي
ذابت أعينهم
في حفل الميلاد
الأخير
كل الذين معي
تآكلت أكتافهم
وصارت أذرعهم
حبالاً طويلة
كل الذين معي
لموا قلوبهم
وألسنتهم
ووضعوها في أكياس
سوداء
كل الذين معي
تركوا أقدامهم
على الرف
ومَشَتْ بهم
ظلالهم.
حين أفقد الشغف
حين أفقد الشغف
بشيء أحبهُ
أقف أمام المرآة
وأنظر لا إلى نفسي
بل إليها
وأقول لها:
ابتلعيني أيتها
الهاوية
حين أفقد الشغف
بشيء أحبهُ
أقف على أي حافة
تُقابلني
وأمشي عليها
وأتخيلها حبلاً
علني أخاف
فأطير.