المنارةُ عمياء لكنَّ الحارس يُبصر (مختارات) – عبده وازن

ظلان 

ظلان ينحنيان على جدار

ظل رجل يعانق امرأة

ظل امرأة تعانق رجلاً

ظل يعانق ظلاً على جدار

ضوء القمر يخترق النافذة

دمّ البُرتقال يشيع في الغرفة

ظلان يسقطان أرضاً

تحت جدارٍ يُعانق ظل القمر. 


المفاتيح

المفاتيحُ وحدها بقيتْ

خبَّأوها كذخائرٍ في صدورهم

هم يعلمون أنَّهم لن يعودوا

أن البيوت أمست بلا أبواب

المفاتيح لا يتخلّون عنها

يوقظونها من نومها ليتذكّروا

ليشموا رائحة أبوابهم

ليلتمع في عيونهم بريق العَتَبة.

إنها كل ما تبقى لهم من حياة

كانت هناك من سماءٍ كانت تظللهم

من شجرة الباحة

وبنفسج السياج

إنَّها كلّ ما تبقى

من أماسيهم المُقمرة

من صباحات كانوا يسبقونها

إلى حقول الشمس

من ظهيرات أيامهم وغروبها.

الآن يجلسون

ينظرون إلى هناك

ينتظرون غيمة تحمل إليهم خبراً

يترقبون نجمة تشرق من أرضهم

لكنَّهم في الليل فقط

يبصرون أنفسهم هناك

أمام عتباتهم

يفتحون الأبواب

ثم يغلقونها

هم يعلمون أنهم لن يدخلوا

لكنَّهم لا يتخلون عن مفاتيحهم

وحدها سترافقهم في يومهم الأخير.


 المنارة العمياء 

حارسُ المنارةِ

يجلس طول الليل أمام البحر

عندما لا يبصر سفينة

يُشعل سراجاً صغيراً

عسى النوارس تهتدي.

منارةُ الحارس

تهشَّمتْ عيناها

عندما رماها قراصنة بسهامهم.

المنارة عمياء

لكنَّ الحارس يُبصر ولو بخفوت.

الحارس الذي نسيَته السماء

ما زال يجلس طول الليل

أمام البحرِ

يحرسُ المنارةً

من قراصنةٍ لا يُبصرهم.


أنتَ أو هو 

أنتَ هُنا

أنتَ هُناك

كرسيكَ هنا

لكن أحداً سواك يجلس عليه

هو أنتَ الذي لستَ.

سريركَ هنا

لكن لست أنتَ من ينام

ربما أحدٍ سواكَ

أنتَ ساهر منذ ليالٍ

أنتَ الذي هو.

كتابكَ هنا

ليست يداكَ هما اللتان تفتحانه

ليست عيناكَ اللتان

تتلمسان حبره

أنتَ الذي هو أنت

أنتَ الذي هو

حين تكون هناك

حين تكون هنا.

صورتكَ على الجدار

العينان ليستا عينيكَ

إنَّهما عينا شخص

كان أنتَ

أنتَ الذي هو.


 الحالمة

بقميص نومٍ

على كنبة زرقاء كالفجر

تغفو نصف إغفاءةٍ

كعادتها عندما تَحلم

عيناها مغمضتان

لكنَّ وجهها يشعُّ بخفوتٍ

على شفتيها ترتسم ابتسامة في منتصفها

جسدها المُرتمي على الكَنَبة يتموج قليلاً

قد تحرّك قدماً بخفة

نهداها يلوحان من وراء قميصها

إنها تحلم

وجهها مثل قمر اكتمل للحين

على صفحته تعبر ظلال

وهاد ورواب تكاد تتلاشى

جفونها كلما تحركت اتسعت ابتسامتها

شفتاها تعبرهما شهقة

على الكنبة

قد ترفع يمناها ثم ساقاً

جَسدَها يضطرب

لعل ذئباً طرق بابها هناك

لعل سارقاً كسر نافذتها.

إنَّها تحلم

بيدها اليسرى تشد على نهدها

ثم نزولاً إلى حوضها

ترتعش قليلاً ثم تتلاشى

وجهها يشع بعذوبة

نجمة ابتسامتها تذوب برقة ماذا تبصر الآن؟

هل حل الليل في بلاد هناك

أم أن فجراً يسطع؟ أواقفة هي أمام مرآة

أم وراء نافذة تطل على نهار؟

الحالمة كم يعبر صفحة وجهها من أخيلة

كم يجتاز شعرها من أسراب عصافير. 


*نص: عبده وازن
*من ديوان: ليس لنا هذا العالم

زر الذهاب إلى الأعلى