أنطوي كليلٍ بداخلها – علي المازمي

(1)

حُزنها المُضاء

في العتمةِ الخاشعة

حُزنها الغابرُ

يطلُّ من ليلٍ قَديم

ومثل مطرٍ أليفٍ

تطلُّ على رُوحي

تطلبُ الغُفران،

وأنا الغَافي على وَجَعي

لا أحملُ مِفتاح التَّوبة

أغيبُ في ليلها

وتغيبُ هي في ضوءٍ أَعمى،

نَلتقي في النهار،

الأضواءُ نائمةٌ

وأنطَوي كليلٍ بِداخلها

نحملُ الأمسَ على أَكتافِنا

لن يعود، سوى على هيئةِ ذِكرى

لتثاؤبِ رجلٍ ماتَ تَالفاَ

هل غَفَرتَ لها؟

فالأبوابُ مُشرعة

السماءُ جَاثيةٌ

قنينةُ البارحةِ والليلُ اليَتيم

في أكفانِ الأمس.

أتجنَّب المُرور

بأوجاعي في الأماكنِ العَامة،

أغضُّ الطرفَ

عَنها،

في الطرقاتِ والمَقاهي

وكأنَّنا لم نلتقِ

تسير هي، على الياسمين

خطوةٌ بريئةٌ

لا تُوحي

بأنَّها فتاةُ الأمسِ

وعندما يسقطُ الليلُ

أغيبُ في ليلها

وتغيبُ هي في ضوءٍ أعمى.



(2)

كنتُ ساهياً عندما خَرجَ المسيحُ من عينيها مَعصوب العَينيْن، مُبِّشراً بالهلاك؛

امرأةٌ تنطفئ في شمعةٍ

وتاريخٌ يسلخُ رُوحي

الصورُ مُترهِّلة

وبصري يذوب شيئًا فشيئًا

أطلقتْ الجدرانُ صَرخاتنا

والثورةُ التي مارستُ الحبَّ مَعها

تحنَّطَت على الأسوار

والمدينة الفضية انهدَّتْ على رَأسي

حتى الشمسُ أدارتْ لنَا ظهرها..

وأغرقَ الماردُ القمرَ

الوجهُ الياسمينيُّ بجانبي

أشعلَ الروحَ، فتبخَّرَتْ

وفي حكايةٍ أُخرى

قصَّ شريان الحفل؛

خرجَ المسيحُ من عَينيها

والقيامةُ تهلّل بنذورها

هل جاء المُخلّصُ؟

كما في العهودِ الغَابرة

يأتي على الريح، يَتَبختر على الماء!

هل جاء المُدمِّر؟

بيدٍ تَطالُ أوجاع الخليقة

لا نعرفُ كمَّ الوجوه التي

ستخلعها الأقنعة

وهذا الليل البريء

ابتلعته غيرةُ امرأةٍ

لا أحتمل الحرب

أعيدوني إلى البدايات

حيث الأدغال

أعيدوني قبل ولادة اللغة!

قبل مجيء السيوف

قبل تأنسُن النار!

بعيداً عن كُثبان الرعب التي تركضُ خَلفنا

قبلَ أن تُهشّم خدِّي حَدْوَة المَلاك

أعيدوني إلى دَهشَاتِ الأنبياءِ

إلى الصحراء ذاتِ الجناحين

واتركوني وحيداً

تحت آخر نجمة في الصحراء.


(3)

عائدٌ کالهزائم

شوقي مُعلَّقٌ على نَابي

وفي جَبيني ترقصُ

رصاصةُ الرَّحمة

لا أرى أحداً

والشَّوارع كانت كالثغورِ التي أقطنها ليلاً

ساخنةً كقُبَلِ الشَّاعِرات.


يُعانق عواءَهُ

في مجرةٍ موبوءةٍ

وسط عالمٍ يَنشطرُ في المَرايا..

يقفُ على قمَّةٍ

يحملُ سكينةً بفمهِ

وتفلتُ منهُ

تجرحهُ

وكأنَّها قصيدةٌ.

يُغرقُ المدينةَ في عِوائِهِ

ذئبٌ.. شاعرٌ

وفي عينهِ اليُسرى

كوكبٌ أنثويٌّ،

ذئبٌ عشقَ آدمية

وكُلَّما شاهد انعکاساً

خدش عينيه.

يعتمرُ قُبعةً

ويسيرُ مُتنكّراً

في أحشاءِ الحُشود

استوقفتهُ أُنثى العَمَى

المرأة التي دارت حولَ الكَمَان

وقبَّلَت غَريباً يعتمرُ قُبَّعة

وقالت شفتاكَ كالذَّئبِ

ورائحتكَ فوق آدميَّة

أتُحبُّني؟

قال: قتلتُ حَبيبتي.

وركض يَبكي

يجرجرُ قُبلةً عِملاقةً وجرحاً

وكيف يعود؟

وماذا لو عرفت الذئابُ أمرهُ؟

يقفُ بين مُحيطينِ من دموعِهِ

ولا يَدري أهو ذئبٌ

أم شاعرٌ عضَّ مَدينة.


*نصوص: علي المازمي
*من ديوان: قبر الغراب

زر الذهاب إلى الأعلى