ومضيتُ دون أن أقول وداعاً
كنتُ مثل مسافرٍ يتقنُ الغياب
الغياب المتألق في شعثهِ ولهثهِ وكمالهِ
ومضيتُ دون أن أقول وداعاً
لأمّي التي أنجبتني في تموز
وتموز أرضعتني قساوةَ الحرّ
واكتئاب الصّيف ولزوجة الأيامِ فيهِ
وأمّي التي أنجبتني
تركتني في تموز ألهثُ كَيَدٍ جافّة
ولم تأخذني معها إلى البحر لأسبح
لأصير سمكةً
لأصير صياداً
لأصير بحراً صغيراً يحلمُ بالسفن والمراكبِ والأمواج العاتية
يحلمُ بأفواج البشر الذين سيموتون فيه
أمّي مضت وتركتني دون أن تتفقدّ قلبي إذا ما كان عذباً
دون أن تقول وداعاً.
ومضيتُ
والوداعُ يئنُّ صباهُ وأباهُ يحرثُ وجهَ البيتِ الأبيض ليكبرَ الأبناءُ على عجلٍ دون أن يلتقطوا لهم صوراً تخلّد لحظاتهم الطفولية
يكبرون بسرعةٍ قبل أن تأكلهم الساعةُ التي تدقُّ في الدّم
والوداعُ يئنُّ وأباه يحصدُ بعد أعوامٍ مرت على عجلٍ
أبناء بأجسادٍ شابّة وعيونٍ كالصقر
تفترسهم الحياةُ بنهمٍ
قبل أن تلتهمهم الساعة التي تدقُّ في قلب الأرض
وبناتٍ قبيحاتٍ معذّبات
يروينَ لدمائهنَّ لو تركنا الله
لماكنتم
لما كنّا
فالأرضُ الرحمُ الثاني لنا
ومضوا دون أن يقولوا وداعاً
ومضى الوحيدُ يعرُجُ إلى غيابهِ
تاركاً اسمهُ بقعةَ دماءٍ ينزفها العالمُ
دون أن يقول وداعاً
بتول اقطيش