ايميلي ديكنسون – قصائد مختارة

أشخاص:
بلدان:

هذه رسالتي إلى العالم‏

هذه رسالتي للعالم‏
الذي لم يكتبْ لي البتة،‏
هذه الأنباء البسيطة صرَّحتْ بها الطبيعة‏
مع جلالٍ متواضع.‏
سُلِّمتْ رسالةُ الطبيعة‏
إلى أيادٍ لا أراها.‏
لأن حبها، يا أبناء جلدتي اللطفاء،‏
يكوِّن حكماً عادلاً عني.‏

من الله نطلب منَّة واحدة‏

من الله نطلب منّة واحدة‏
وهي أن يسامحنا-‏
عمَّا فعلناه، فهو بالتأكيد يعرف:‏
فجريمتنا نخفيها عن الأعين.‏
نبقيها خلف الأسوار طوال حياتنا‏
داخل سجن سحري،‏
ونلقي باللائمة على السعادة‏
التي تتنافس مع الفردوس.‏

أنا لا أحد. من أنت؟‏

أنا لا أحد. من أنت؟‏
وهل أنت لا أحد، أيضاً؟‏
إذن نحن اثنان لا أحد.‏
لا تخبر أحداً – فهم سيطردوننا، كما تعلم.‏
ياللكآبة، أن تكون شخصاً ما،‏
كم هو مبتذل – مثل ضفدع-‏
أن تجهر باسمك طوال شهر حزيران.‏
وسط مستنقع يرحب بك‏

تختار الروح رفقتها الخاصة.‏

تختار الروح رفقتها الخاصة‏
ثم تبادر بإغلاق الباب.‏
وأمام جلالها المقدس‏
لا يقترب آخرون.‏
بدون تأثر ترقب مرور العربات‏
أمام بوابتها البسيطة؛‏
بدون رعشة ترقب امبراطوراً يركع‏
فوق حصيرها.‏
لقد عرفتُها من بين حشدٍ وفيرٍ‏
وقد اختارت واحداً،‏
ثم أغلقت مصاريع وجودها‏
مثل الحجر.‏

شعرت بمرور جنازة في خلدي‏

شعرت بمرور جنازة في خلدي‏
والمشيعون يهرولون جيئة وذهاباً‏
يخبطون بأقدامهم، على الدوام، حتى بدا‏
وكأن العقل يكاد ينفجر.‏
وعندما جلسوا جميعاً،‏
بدأت الشعائر كالطبل‏
تدوي قدماً، تدق، حتى ظننتُ‏
أن خدراً ينسال في دماغي‏
ثم سمعتهم يرفعون صندوقاً‏
ويصل الصرير إلى أعماق روحي‏
مع أحذية الرصاص تلك من جديد،‏
ثم بدأ الفضاء يمتلئ بالناقوس يُقرع‏
والسموات كلها كانت كالجرس،‏
والوجود ليس سوى أذنٍ صاغية،‏
وأنا والصمت في سباق غريب‏
حطمنا الوحدة هنا.‏
ثم هوَتْ قطعة خشب معقولة‏
وهبطتُ أسفل وأسفل‏
وارتطمتُ بعالمٍ لدى كل غور‏
وفقدتُ الإحساس حينئذٍ.‏

على الجراحين أن يكونوا في غاية الحرص‏

على الجراحين أن يكونوا في غاية الحرص‏
عندما يمسكون بالسكين.‏
فتحت الجراح الدقيقة التي يحدثونها‏
تتحرك المتهمة بالجرم، الحياة.


الإيمان اختراع جميل


الإيمان اختراع جميل‏
عندما يستطيع أصحاب المروءة أن يلحظوه.‏
ولكن آلات التكبير حذرة‏
في حالات الطوارئ‏

أقدام جديدة داخل حديقتي تمرُّ‏

أقدام جديدة داخل حديقتي تمرُّ‏
أصابع جديدة تحرك سطح التربة.‏
شاعر متجول فوق شجر الدردار.‏
يهتك أسرار العزلة.‏
أطفال جدد يلعبون فوق المساحات الخضراء-‏
أطفال جدد متعبون ينامون في الأسفل،‏
ومايزال الربيع الكئيب يرجع،‏
ومايزال الثلج المحافظ على مواعيده يعود.‏

الأمل شيء ذو ريش‏

الأمل شيء ذو ريش‏
يقبع ضمن الروح‏
ويعزف اللحن بدون كلمات‏
ولا يتوقف أبداً.‏
وأجمل مافي العاصفة يُسمع،‏
ولابد أن الإعصار صعب‏
قادرٌ على إرباك الطائر الصغير‏
الذي بقي دافئاً مرات عديدة.‏
لقد سمعته في الأراضي شديدة الصقيع‏
وفوق البحر الأكثر غرابة،‏
ومع أنه كان في ضيق شديد‏
لم يطلب مني كسرة خبز أبداً.


المسافة التي قطعها الموتى‏

المسافة التي قطعها الموتى‏
لا تظهر في البداية؛‏
عودتهم تبدو ممكنة‏
لسنوات مشرقة عديدة.‏
وبعد أن نتبعهم‏
تزداد شكوكنا،‏
بأننا أصبحنا جد حميمين‏
مع استعادة الأحداث الماضية العزيزة الخاصة بهم.‏

لقد متُّ من أجل الجمال‏

لقد متُّ من أجل الجمال، ولكن حالما‏
وضعت في القبر‏
استلقى من كان قد مات من أجل الحقيقة‏
في حجرة مجاورة.‏
سأل برقةٍ لماذا فارقتُ الحياة،‏
“من أجل الجمال” أجبتُ،‏
“وأنا من أجل الحقيقة. كلاهما واحد.‏
نحن إخوة”. قال.‏
وهكذا، مثلما يلتقي الأقارب ليلاً،‏
تبادلنا الحديث عبر الحجرات،‏
حتى وصل الطُحلبُ شفتينا‏
وغطى اسمينا.‏

النجاح يُعتبر الأكثر عذوبة‏

النجاح يُعتبر الأكثر عذوبة‏
لأولئك الذين لم ينجحوا‏
ولكي نستسيغ الرحيق‏
لابد من مرارة شديدة.‏
لا أحد من ذلك الجيش الأرجواني‏
ممن ربحوا الراية اليوم‏
يعرف هذا التعريف‏
الواضح جداً للنصر،‏
فهو الذي هُزم، وهو يلفظ أنفاسه،‏
وإلى أذنيه المحرومتين‏
تتناهى نغماتُ الانتصار البعيدة،‏
وقد امتلأت بالعذاب وواضحة.‏

لأنني لم أستطع التوقف للموت.‏

لأنني لم أستطع التوقف للموت‏
توقف هو بلطف من أجلي؛‏
ولم تحمل العربة سوانا‏
ومعنا الخلود.‏
قدنا العربة ببطء، فالموت لا يعرف العجلة.‏
وأنا قد ادخرت‏
جهدي، وراحتي على حد سواء‏
لدماثة خلقه‏
عبرنا المدرسة حيث الأطفال يلعبون‏
في حلبة صراع ضمن دائرة،‏
عبرنا حقول القمح البرّاق،‏
ومررنا بالشمس وهي تغيب.‏
توقفنا أمام بيت بدا‏
كانتفاخ فوق الأرض،‏
والسقف بالكاد يُرى،‏
والحلية المعمارية ليست سوى متراس،‏
مضت قرون منذ ذلك الحين، ولكننا‏
كلانا بشعر وكأنها أقل من نهار‏
عندما ظننت أن رؤوس الخيل أولاً‏
قد اتجهت نحو الأبدية.‏

الحب يفعل كلِّ شيء ماعدا إحياء الموتى

الحب يفعل كلِّ شيء ماعدا إحياء الموتى؛‏
وأشكُ إن كان حتى هؤلاء‏
قد احتجبوا من مثل هذا العملاق.‏
واكتسوا لحماً.‏
ولكن الحُبَّ متعبٌ ويجب أن ينام،‏
وجائع ينبغي أن يُغذَّى،‏
وهكذا يُغري الأسطول البرَّاق.‏
حتى يغيب عن النظر.‏

ما أسعد الحجر الصغير‏

ما أسعد الحجر الصغير‏
الذي يهيم في الطريق وحيداً،‏
ولا يهتمُ بمهن البشر وطرق المعيشة،‏
ولا يخشى مطالب الحياة؛‏
وغطاؤه الطبيعي بُنيٌ وهبته العناصر‏
من كون يمر بالقرب؛‏
ومستقلٌ مثلما هي الشمسُ،‏
تتحد مع غيرها أو تشرق وحدها‏
تنجزُ دستورها المطلق‏
ببساطة لا مبالية.‏

أيُّ فندق هذا‏

أيُّ فندق هذا‏
حيث لقضاء الليل‏
يأتي مسافر غريب؟‏
من هو صاحب النزل؟‏
وأين الخادمات؟‏
فلتنظر، يالها من غرفٍ عجيبة!‏
لا نيران ضاربة إلى الحمرة في المواقد،‏
ولا أباريق فضية مترعة تفيض.‏
أيها الساحر، أيها المالك،‏
من هؤلاء في الأسفل؟‏

نصوص: اميلي ديكنسون

ترجمة: فاروق هاشم

الإعلامية المميزة هلا ميراز قدمت هذه الحلقة الرائعة عن الشاعرة الأمريكية إيميلي ديكنسون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى