إن كان ممكناً، سأرتدي الكِمامةَ وأسيرُ في الصحراء وألتقي بالآلهة والملائكة.
واجهتُ العاصفةَ الرمليةَ مرتدياً الكِمامة، واجهتُ الضبابَ مرتدياً الكِمامة، نجوتُ من أنفلونزا الطيور، وفيروس سارس، وفيروس كورونا الجديد مرتدياً الكِمامة. عَبَرَ القاربُ القديمُ الجبال، ولا يزال ثمة جبالٌ خلفها!
اعتدتُ ارتداءَ الكِمامة لأجل الموضة، لأجل أن أُظهرَ بطاقةِ هويتي، لأجل أن أختبئَ من المراقبة، لأجل أن أصيحَ أو أن أهمس. إنّ حياتي بالكِمامة مذهلة مثل حياةِ القدماءِ بدون كمامة!
لكني لم أُجن لدرجةِ أن أسرق بنكاً. لكن للكِمامة جنونها وقسوتها، من الأفضل أن يرتدي موظفو البنك الكِمامات لصدّ الهجوم، وأن يتصدوا بعيونِهم اللامعة لنظرات السارق الغائمة، الحائرة، القاسية.
على الآخرين في العصر الحديث، ومتصيدي الإنترنت، ارتداء الكِمامات أيضاً. وأن يرتدي المتحدثون المجهولون الكِمامة أثناء حديثهم. وإن ارتدوا الكِمامات والنظارات السوداء، فهم أتباعُ المخترقين، ينتظرون وسمهم بالصفةِ ذاتِها.
ولكن النهاية، وفيما عدا الأطباء والممرضين، فالذين يرتدون الكِمامات هم المواطنون الملتزمون الخائفون، فالكِمامة تهدئُ ارتجافهم. زعماء العصابات في الأفلام لا يرتدون الكِمامات. يحافظون على مظهرهم الوسيم لتحاشي الشرطة.
المواطنون الملتزمون الخائفون يضعون الكِمامات للكلاب، يضعون الكِمامات للقطط، ويحلمون بأن يضعوا الكِمامات للفئران، الخفافيش وآكلي النمل. ولا مفرّ من القول، إن هذا هو الواقع المتجذِّر في الشعر السريالي!
والنقطة التي انتصر فيها الشعر السريالي: أن تأكل مرتدياً الكِمامة، أن تدخن وتشرب مرتدياً الكِمامة، أن تُمارس الحب مُرتدياً الكِمامة، أن تبصُق مرتدياً الكِمامة، أن تموتَ مُرتدياً الكِمامة. سيعود السرياليون إلى الحياة ويطاردوننا مرة تلو الأُخرى.
أخرجت أمي كِمامة من الخزانة وطلبت مني ارتداءها. وبسبب عادتها الجيدة في الاقتصاد ومنع التبذير، فقد احتفظت بهذه الكِمامات بدون قصد، من أيام فيروس سارس قبل سبعة عشر عاماً.
قلتُ لأمي: أَرأيتِ كيف نفد مخزون الكِمامات، أنا نادم لأنني لم أفتح مصنع كِمامات وأُحقق ثروة. وظللت لمدة أسبوع حزيناً لعجزي عن فهم الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية.
ولكن بعد أسبوع، أعتقد أنني عمقت فهمي بالمصير، وعزمت على تخزين الكِمامات بعد أن تأتي الصيدلية بمؤونتها، وأترقب، بوقاحة، موسم الكِمامات القادم.
ضُرب بعض الصينيين في شوارع سيدني لارتدائهم الكِمامات، وطلبت منهم الشرطة في برلين نزعها. كيف لأهل سيدني وبرلين المهذارين أن يفهموا، أن هذه عادتنا ووسيلة بقائنا!
إن كان ممكناً، سأرتدي الكِمامة وأسير في الصحراء، عارياً، وألتقي بالآلهةِ والملائكة.
لا يُميزني الآخرون وأنا أرتدي الكِمامة، ولا أتعرف على نفسي لأنني أرتديها. في داخلي، أُثبِتُ مرة تلو الأخرى من أنا، لكن الكِمامة ترفضني دائماً. ولكن في الحقيقة، حين أخلعها، تكون لا شيءَ على الإطلاق.
*ترجمة عن الصينية: يارا المصري