ظهور
العلامةُ تظهرُ لمن يتولّى؛
تقودُ الأعمى إلى ما رأته يداه
وتمنحُ اللاهي مُستحقات اليقظة.
خَفَقان
كيف لي وما مَسَستُ سوى اليدِ
أو ربما ذكراها
على المائدة
أن أدّعي وصلاً غير ما يحملُني عليه
الوجيبُ الخلا من قبلهِ القلبُ؟
كثيرٌ عليَّ أن أندفعَ بالخفقةِ وحدَها بين الجبابِرة
واضعاً قدمينِ من قصبٍ وسطَ هبوبهم.
دليل
الأعمى يعرفُ أنَّهُ في حِماكِ.
لا البصيرةُ
لا اليدُ
لا الرائحةُ
لا الحفيف دلّهُ
بل الضوء الذي فضَّضَ
محجريه المُظلمين.
قصيدة عن الوحدة في مقهى
لستُ وحيداً لأنني أكلِّمُ نفسي
وأرشفُ قهوتي بصوتٍ مسموع
ما يثيرُ حنقَ رجلٍ يتأملُ ارتفاعَ الضُّحى على
طوار المشاة.
ولستُ وحيداً لأنَّ الضُّحى لم يترك لي سوى
أحلاسِهِ الحامضة
وما تولّى عنه الذاهبونَ إلى أدوارهم.
بل، ربما أنا وحيدٌ لأن يدي لا تحرّك ساكناً
وعيني لا تغرّها العلاماتُ.
لا أتخيل شيئاً أكثر مما ترفعُه مرايا الظهيرة
أمامي.
أقواسٌ
أكتافٌ متينةٌ لعابرين.
لا أقطعُ وعداً لأحدٍ
ولا أنتظرُ.
فحياتي أخفُّ من أن تحتمل ذلك.
الأم لابنها
-ماذا جنت يداكَ من طيرانك الخرافيِّ
فوق الشتاء والصيف؟
-العلامةَ
هل لها غيرُ ما أعطتهُ لسابقين
شبّوا
وشابوا
وأوحشوا بنات نعشٍ قبلكَ؟
الابن لأبيه
سيكون لي ما كان لك
سأتبعكَ
أثراً
من
بعد
عين.
ولن ينازعني أحدٌ على تركتِكَ:
خطُوكَ الجاهلُ في معارج المرتقين
خطاياك زيّنتها لك الصبواتُ
الأطيافُ التي أخذتكَ وأعادتكَ بتذكارٍ على الجبين
النجمةُ الغريبةُ اتّبعتها فاستخلصتكَ نجيَّا
الأنفاس (يا لها) نقَّلتكَ في منازل الحمى
خفقُ فؤادِكَ، بل رجعهُ الموحشُ
كلّما لاحت علامةٌ من جهة العذراء
المرايا الألف تَزَّاورُ عنها تصاوير الأُلى
بهجاتُكَ النادرةُ بالصباحِ ذي النعناع
بالأعضاء تنهضُ من غيابة النوم
بسرِّ الماء مكنوناً بين محبسين
بيدكِ ترمي عذقاً يابساً في
الهواء فيخضرُّ.
سيكون لي ما كان لكَ
سأمشي الخُطى التي كُتِبَت عليكَ
ولن
أصل.
قربان
لا أذكرُ لكِ عطراً ليبقى على عنقي
ولا في قميصي المقدودِ من قُبُلٍ
ولا صوتاً يتلكأُ بعد أن تسبقكِ
هالتُكِ إلى الباب.
الكأسُ غسلتِها جيداً بدموعٍ لم تذرفيها
قطُّ.
ومحارمُ الورقِ التي مسحتْ ماءَ الحياةِ
عن سيقانِنا تساوتْ مع أعقاب السجائرِ
وقشورِ التفاحِ في سلّة المهملات،
أما البقعةُ الحمراءُ التي اكتشفتِها على
مُلاءةِ السرير في الصباح فلم تكنْ
سوى علامةٍ على قبول القربان.
برج مرصود
واقفُ تحتَ بُرجِكِ المرصودِ
بين السّهمِ والعين الآمرةِ.
علامةٌ تُميتُني
علامةٌ تُحييني
والحَيْرَةُ وحدَها يقيني.
يدٌ أقصرُ من فرحةِ الأختِ تمتدُّ إليَّ
فأرفع يدي، هكذا لنهارٍ
بلا إمارةٍ.
ثلاث إشارات في طريق الأعمى
أنَّى لمن هو في خفَّتي أن يحملَ
عبء العلامةِ والسرِّ؟
لهذا أترنح.
**
بصري الجوَّال رأى القريبَ والبعيد
ولم يرَ بياض فوديَّ.
أهكذا يكون الأعمى؟
**
الأولى حدّثتني عن الربيع
والثانية عن الصيف
أما الثالثةُ فشقّتْ
بقدميها الصغيرتين طريقاً
في حصاد أيلول.
الثلاثُ
قلن لمن ظنَّ نفسه مكيناً على الأرض:
امشِ هوناً!
**
ثلاث قُبّرات فرَّت أمام الأعمى
الذي يغذُّ الخُطى..
الهاوية تُرِهفُ السمع.
**
الإشاراتُ الثلاثُ التي صادفتني
على الطريق أومأتْ إلى الجبل
لكنني مضيتُ إلى الوادي
قِصَرُ نظرْ!
وديعة
لم أرَ الذي استردّها
ولكني سمعتُ خطواً خفيفاً
على حاشية الليل،
وفي الصباح وجدتُ
جلدَ أفعى وريشةً بيضاء.
أربعون
تأخَّرتُ في النومِ قليلاً فوجدتُ الأربعين
التي هيأتها الأيامُ لغيري في انتظاري
الصباحُ الذي ما عَرَتُهُ مذ شرّدني الشرقُ
تراءى لأصحابي ذهباً فهبّوا إليه في ثياب النوم
ولم يعد أحدٌ بنبأ من سبأ.
وحيدٌ بأمارة اليد المبسوطة على المائدة
لي الضحى كلُّه مزهوداً فيه
أحسو قهوةً باردةً تحتَ قوسِ الرماد
وأرفعُ قامةً أخطأتها الريح.
نص: أمجد ناصر
مختارات من ديوان: كلما رأى علامة