الغريبُ كي لا يوقظكِ يتعلمُ حياةً كاملةً في الظلام.
ولئلّا يفسد أحلامكِ يتعفف عن المصابيح.
الغريبُ كي لا يبدد منامكِ يتعلمُ المشط في الليل، ويبتكر طرقاً لتسريح شعره بعينين مربوطتين.
الغريبُ في ليل المنضدة يميّز مشط امرأته مثلما يتشمم البحارة النجوم، والأنبياء أبناءهم.
أنا غريبكِ أحملُ مشطكِ من شذاه ، أستضيء بخصلة الذهب العالقة فيه كما يحمل الرعاة سرجهم في الفجر.
بنور مشطك اهتديتُ ، وبتّ أخرج للصبح بكدماتٍ أقل.
ولأن نومتكِ عزيزة ، يتمرن الغريب في العتمة على انتقاء جوربين غير مثقوبين من بين أكداس الجوارب السود في الجوارير .
لأن نومتكِ عزيزةٌ يتوضأ أعشاكِ منذ عقدين بماء خفيضٍ ، يصلي سراً على رؤوس أصابعه، وفي حجرتكِ لا يتحدث إلى الله جهرة.
الغريب، لم يزل منذ عينيك ، يوقّر مفتاح الضوء في حجرة النوم.
الغريب الذي لا زال يستيقظ قبلكِ منذ عقدين، ينهض من تختكِ يختار ملابسه في الظلام ، ويسوّي بخفةٍ ربطة عنقه أمام مراياك التي لا تبصر إلاك.
الغريب كي لا يبدد منامك أخبر الأشياء كلها عنك.
علّم العطر أن يكتم في الغرفة شذاه، وخشب الأدراج أن لا يصدر صوتاً، والحذاء أن يكون كتوماً، والمشط أن يمر بخفة، وساعة اليد أن تتماوت، بينما أنتِ في النوم.
الغريب الذي بعينين معصوبتين أتقنَ تهذيب لحيته ودمعته في الظلمات، وبات يتعرف على العطر من ملمس الزجاجة، يلقي كل صباحٍ نظرةً على فتاة السهول التي لم تفق من أقحوانها ، يتهندم في ظلامٍ كاملٍ، قبل أن يتسلل إلى وظيفته كاللصوص.
*نص: عبدالله حمدان الناصر
*من ديوان: اللحاق بالرمل