«هناك وصالٌ عظيمٌ ينتظرنا» رسائل غلام حسين ساعدي إلى طاهرة – ترجمة: مريم العطار

«لا تستائي ولا تفعلي شيئًا يضر وصالنا، أتشعرين بالتعب؟ أتفهم ذلك. التعب ليس كافيًا هناك شيئًا أكبر من كل هذا؛ هناك وصال عظيم ينتظرنا.»

(من رسالة غلام حسين ساعدي إلى طاهرة)

كلمة الناشر


نشر رسائل ونصوصٍ من هذا النوع لا سيما في بلدنا، دائمًا ما يكون مصحوبًا بالحيرة والتردد. لا أحد منا يرغب بنشر رسائلهِ الغرامية، ربما يتردد الكثيرون منا في نشر الرسائل العائلية والعامةِ أيضًا.. جميعنا لديه رسائل ونصوص محفوظة في مكان ما لا نرغب أن يطلع عليها الآخرون، ولا نريد أن يراها أحد.
الرسائل المنشورة في هذا الكتاب هي جزء من حياة أحد أعظم الكتاب في إيران وبالتالي جزء من تاريخ الأدب المعاصر الفارسي. ومن الجانب الآخر، فإن هذه الرسائل هي جزء خاص جدًا من حياة إنسانٍ يدعى غلام حسين ساعدي. والناشر كان حائرًا بين هاتين النقطتين..
طاهرة وغلام حسين لم يتزوجا قط وهذه العلاقة الغرامية انتهت دون وصال.. حزن الفراق وحزن الحب رافقهما إلى آخر لحظة في حياتهما..
ربما هذا الكتاب هو ذريعةٌ سيجمعهما في عالم آخر أو في حياة أخرى، ربما يكون بلسمًا لحزن حب غلام حسين وسِر طاهرة الخفي، ربما…



1


عزيزتي طاهرة

لقد كنتُ أنتظر رسالتكِ منذ فترةٍ طويلة. ليس انتظارًا عبثيًا. أنا أنتظر خبرًا منكِ، أنتظر أن تخبريني شيئًا عنكِ۔ ومن جهة أخرى فإنني مشغولٌ بترتيب أعمالي الأدبية، مع كل تعقيدات العمل المرهقة لكني يجب أن أنهي ما بدأت لأجيء إليكِ أخيراً..
بعد عامين من عدم اللقاء بكِ، سيكون لدينا شتاءٌ رائع في تبريز، على الأقل ستتاح لنا الفرصة لنتحدث أكثر ونخبر بعضنا المزيد من التفاصيل.
خلال ساعات الفراغ أكون في البيت، مشغولٌ بقراءة حافظ الشيرازي والنوم.
وبشكل رسمي للغاية أدفع “العمر الثمين” في مكب النفايات.
لقد مللتُ من كل هذا الزحام والضجيج، من كل هذا الضياع، أود أن أتخلص في أسرع وقت ممكن من هذا المكان وأعود لكِ وأعرف أنكِ كالعادة بمحبة وفـيرة جالسة بانتظاري.
غ


2


مرحباً عزيزتي طاهرة

وأنا أكتبُ هذه الرسالة أشعر بهدوءٍ لذيذ ومثل ساعات صلحنا ومحبتنا، أشعر أننا لطفاء مع بعضنا البعض ولقد سامحنا بعضنا البعض ونتجاهل الآخرين وفقط نتحدث عن أنفسنا، أحب هذا كثيرًا.
لم تكن المرة الأولى عندما تودعينني بلطف ومحبة، لكنها كانت المرة الأولى التي أشعر بها إنني على قدرٍ كافٍ من الراحة والسكينة والهدوء اللذيذ.
أيام الفراق هذه رغم أنها كانت مصحوبةً بالقلق الخفيف، لكني إلى هذه اللحظة أشعر بالسعادة التي حدثتك عنها، لقد أصبح بديهيًا لي أننا مع كل الأحداث المؤسفة والحزينة، نحن دائمون. لقد ثبت هذا بالنسبة لكِ أيضًا.


3

عزيزتي طاهرة
لقد سئمتُ جدًا من البشر. والله أعلم كم أعطيك الحق يا طاهرة، فأنت واضحة وواعية أكثر مني. سأخبرك بمدى حزني وامتعاضي من أحد هؤلاء السادة. هو الشخص ذاته الذي كنت أمتدحه كثيرًا وأنتِ كنتِ تقولين لي إنه ليس إنسانًا سويًا لقد أزعجني كثيرًا، على أي حال، لدي الكثير لأخبره لكِ. وأوجاع قلب كثيرة أود شرحها لكِ. ما زلت أنتظر رسالتكِ كما هو الحال دائمًا. رسالة لم تقرري كتابتها لي أبدًا. أليس كذلك؟ على أي حال، أنا كالعادة متاحٌ لكِ ولست أنساكِ.


4

عزيزتي طاهرة

في الأيام الماضية كنت مريضًا أرقد في السرير ولا أكذب في ذلك، كنت مصابًا بالحمى وعلى الأرجح مصابًا بالتيفوئيد، وربما لن أشفى إلا بالدواء. كانت روحي مريضة أيضًا. كانوا قد أسهموا في تجريحي، أصابوا روحي بجروحٍ بليغة. حيثما كنت أمر مثل هذه الحالة، كنت ألجأ إليكِ. وهذه المرة بقيت ساكنًا في مكاني حتى يلتئم الجرح، لكي لا تستطيعي رؤيته. لم أرغب في إخباركِ بكل التُهم والافتراءات الأدبية التي لا تريدين سماعها، لكي لا تشعري إنني بأخباركِ لهذه الأمور أريد أن أفسد يومكِ، وكنت في مثل هذه الحالة حتى سمعتُ ما لم أكن أريد سماعه منكِ إلى نهاية حياتي..
طل الصباح الآن والليلة الماضية كانت ليلة جهنمية مؤلمة بالنسبة لي، حتى خلال الساعات التي كانت الحمى تحرق جسدي كان الخبر الذي سمعته من فمكِ شعوره أسوأ من ذلك بالتأكيد، كنتُ أريد الصراخ لأخبر كل من حولي أيّ مصيبة الآن نزلت على رأسي! أنت تعرفين كل بؤسي ومشاكلي، البؤس الذي لا يمكن أن أتكلم به وتعرفين أي طريق مسدود أواجهه الآن وأكثر من هذا تعرفين أنني كم أحبك.. والأهم من ذلك كله، أنتِ تعرفين أنكِ ملاذي الوحيد في حياتي. وكيف أشعر عندما أسمع مثل هذه الأخبار؟
في غضون ساعة كل المحن والمتاعب عبرت كشريط ذكريات أمامي، ذكريات أيام الطفولة، لحظات الفجر تلك عندما كنتُ أنثر الأزهار أمام بيتكم ولأجل رؤيتكِ كنت لساعات طويلة أسير في الأزقة والشوارع وفي لحظات من رعب عيونكِ عندما تحدق بي كنت أتلعثم وأضيع بالكامل، والأكثر من ذلك والأكثر…
بماذا عساي أن أرد عليك؟ أنت تعرفين إجابتي تعرفين أنني لا أستطيع أن أمضي بحياتي دونكِ ولو أجبرت على المضي ربما سأنهي ما تبقى من عمري في مستشفيات المجانين للتخفيف عن آلام روحي، تعرفين ما ألم الروح أليس كذلك؟
إجابتي هي:
لا تستائي ولا تفعلي شيئًا يضر وصالنا، أتشعرين بالتعب؟ أتفهم ذلك. التعب ليس كافيًا هناك شيئًا أكبر من كل هذا؛ هناك وصال عظيم ينتظرنا، والأهم من هذا كله أننا أبرمنا قسمًا على وفائنا لنهاية عمرنا، لو مشيت بما تنوين فعله فقد كسرت قسمكِ، وأنا لا أصدق أنكِ تكسرين الوعود وقسم الوفاء وأعرف أنك لا تفعلين ذلك.

غ


5

عزيزتي طاهرة
مضي الأيام لو يساهم بإفساد كل شيء لا يمكنه أن يفسد الذي بيني وبينكِ، ظل الموت والدمار لا يمكنه أن يصلنا، أنا وأنتِ ما زلنا بعنفوان الشباب أصحاء وسعداء. وصلنا إلى نوع من التفاهم الروحي، نفهم أحاديث بعضنا ونشعر أن ألفتنا ليست بلا جذور.
ولو أن الآخرين لا يمكنهم تصديق ما يحدث لنا نحن نصدق ذلك. دون أن نتلوث، انسجمنا مع بعض وأخذنا نصيبنا من الصفوة والمحبة التي نشعر بها قرب بعضنا، لحظات الغرام الحادة والسريعة تنتهي، ما نتأمل فيه يتحقق أم لا، بأي طريقة هناك دائمًا نهاية والبشر سرعان ما ينتهي لديهم هذا الأمل وسرعان ما يجسد الآخر لهم الجحيم! لأنهم لم يدركوا ولم يصلوا ويرجعون من مشوارهم السريع فارغي الوفاض، لكننا احتفظنا ونحتفظ بهذا الوئام ما بيننا. قبول الآخر في حياتنا، هو بمثابة هدية لنا لأننا تركنا الظنون المزيفة وتقبلنا حقيقتنا واحتفظنا بها دون أي تغيـير، لذة الصحبة ليست أقل من الغرام، ونحن دون أن ننسى الغرام وصلنا لبعضنا عن طريق الصحبة والصدق.
ما الذي لم نحصل عليه؟ بدأنا طفولتنا مع بعض وأنا كم في خيالي أذهب إلى أبعد من الطفولة أي منذ يوم ولادتنا نحن كبرنا سوية والآن لو أننا في الكبر بعيدان عن بعضنا وربما سنتقدم أكثر في العمر سوف نبقى قرب بعضنا كطفلين سعدين وثملين بالحياة ولذتها. وآمل أن هذا الحب وصفوته لن ينتهي أبدًا، أنا أسعى في طريقٍ صعب وأتجاهل الكثير من الملذات وأنتِ لأجلي بأي نيةٍ وطريقة تتأقلمين بكل نضوج معي وما تفعلينه أكبر هدية وأعظم جزاء لي.
لو أنتِ كنتِ فيما مضى محبوبتي وعزيزة قلبي اليوم أنتِ إضافة لكل ما منحت لي أصبحت صديقتي المضحية.
أنتِ سوف تتعلمين الكثـير وسوف تقرأين الكثـير من الكتب وذلك كله لأجل الطريق الذي اخترناه، الذي يتطلب معرفة عميقة ووعيًا أعمق.
رغم الفراق المكرر أنا أختار القلم والورق لأكتب لكِ وأعرف أنك تنتظرينني على أمل أن يثمر ما نتوق إليه.

أقبّل يديكِ
غ


ولد غلام حسين ساعدي عام 1936 في محافظة تبريز – إيران وتوفي عام 1986 في باريس، غلام حسين كان طبيبًا نفسيا وكاتبًا إيرانيًا معروفًا تحت اسم مستعار جوهر مراد. كما كان ساعدي يكتب المسرحيات ويعتبر من أشهر الكتاب المسرحيين الفارسيين مع بهرام بيضاي وأكبر راضي.

استنادًا إلى تحفته، (معزين بيل) وهي مجموعة من سبع قصص متواصلة عن البؤس المستمر لسكان قرية تسمى بيل، تم إنتاج فيلم شهير بعنوان البقرة عن هذا العمل.

ساعدي كان من أتباع الكاتب جلال آل أحمد في الأدب والفكر السياسي. انضم له منذ بداية تشكيل رابطة كتاب إيران. كتب في شتى فروع الكتابة الأدبية مثل الرواية والقصة القصيرة والمسرحية والسيناريو والترجمة ويعد من الأسماء اللامعة في مجال الأدب القصصي لديه أكثر من 18 عملاً و 8 مجاميع قصصية و 5 روايات و 8 سيناريو و3 أعمال مترجمة حول علم النفس، لكن حياته لم تدم طويلا، كان لديه توجه سياسي تجاه منظمة فدائيي الخلق واعتقل على يد قوات السافاك وسجن لمدة عام كامل مع التعذيب، هرب قسرا إلى فرنسا عبر باكستان بعد ثورة الإسلامية. توفي في باريس عام 1985 ودفن في مقبرة بير لاشيز، في جوار صادق هدايت الكاتب المعروف الإيراني. في تشييع جثمانه حضر عدد كبيـر من الإيرانيين في باريس.


*نصوص: غلام حسين ساعدي
*ترجمة: مريم العطار

زر الذهاب إلى الأعلى