هُناك – إيتل عدنان – ترجمة: سركون بولص

هُناك

الزمان جديد والصفحة بيضاء، يأخذ النور مساره نحو حدة أشد، النهار يؤدي إلى صحيفة الصباح.

اذهب فاجلس هناك. كانت أمك تقول لك عندما كانت ما تزال شابة وكنت معجباً بشعرها وتحب لو تكون مشطها الصغير، أنا كنت أجلس في حديقة مختلفة، وكنا نأكل الأزهار، تفضحنا شفاهنا الصفراء.

هل ما زلت تحتفظ بذلك المذاق في فمك، هل على قلبي أن يبطيء دقاته، انتظر، لكن لماذا، الآن وقد تفرقنا، وانتُزعت منا ألعابنا القديمة، كانت قليلة، وتحمل الإشراق.

هل ستصبر الطبيعة على هياجاتنا؟ الحب هدام، قلت لي، مضيفاً إنه يعذب الجسد حتى يخرج عن طوره، وكم كنت موقناً من حبي، هل نحتاج إلى كل هذه البلبلة لكي نمارس حياتنا اليومية؛ هذه الأنهار ستطفح حتى الأرصفة، النور سيطمس مرأى السماء، ثم يصير أكثر هشاشة من الضباب، يأساً لا مرئياً تماماً يصار إلى نسيانه من قبل الجميع، ونحن أيضاً.

ها أنتذا، سأتوقف عندك، والصحراء التي أحملها فيَّ ستجلو عاصفتها. كانت السماء ليلة أمس جميلة بشكل يدل على نفاد الصبر، أخذتنا إلى ما وراء الأشياء التي أبوح إليك بها الآن.

إلى أين ذهبنا؟ المسافة سر. لماذا لا نستطيع أن نخترق البعد؟ هل يمكننا ذلك؟ ما من شيء سيجمع ما بيننا، لذا دعنا نجلس: إن محاورة ما بداية الحضارة. لقد أردنا تأليها، لكن كفى. لنشرب القهوة.

هُناك

الأنهار تخلط في مياهها القلق، البحر يتألق، مقلماً بتدرجات لونية مختلفة، تلك التي رأيتها عندما عبرت في سيارة، عيناي نصف مغمضتين، والشمس آه تميل جانبياً والمدينة الأرجوانية تهرع نحو الأفق!

تصعد الرغبة وهي ما تزال مخنوقة، هناك، حيث يكوم ماضيك على ذكرياتك التراب؛ إلى أين تذهب الأمواج بهذا التواتر، في حنينها إلى الكون، كما تحن أنت؛ لكن هل ثمة ما تسعى إليه؟

ذهني ينزلق على الأشياء، هذا الكرسي، هذه الغرفة، الشوارع الجانبية، اللقاءات غير الودية… أعجب إن كان صوتك – إرادتك؟ – سيعلو نحو السماء، هل هذه الأخيرة فارغة، هل الملائكة من نتاج الأرض…

الوقت بعد الظهيرة الآن، والبحر مالح، هل تصلني ذراعك، هل أنت هناك، تسبح بشكل خفي، أم هل أنا ضائعة في ضباب رهيف وودي.

آه كم قديم هو الفضاء الذي نعيش فيه، أخضر، لبضعة أيام فقط، يتلاشى؛ القصبات الطويلة تُحيي الصيف، والأمواج تتواثب، أين الأطفال الذين لم ترزق بهم، بالرغم من الشاطئ، لم كل هذه النعومة…

الآن إذ تجيء، قل لي، تكلم، هل ثمة ما يسقط، هل نحن في حرب، هل ظمأ الأرض يطالب بالدم، هل الغيوم تتحرك اليوم في أزواج؟ الجبل منبسط وقريب من طبيعتي، في جفافه، في شيخوخته، في مناعته أمام جيوش الشر. هل کلانا مهجوران یا تری؟

كيف سأوضح أن البحر يتحرك بينما أشعر بالسكينة وأن درجة الحرارة ترتفع في الشوارع مع ارتفاع مستوى اليأس…

*نص: إيتل عدنان
*ترجمة: سركون بولص
*من كتاب : هناكَ – في ضياء وظلمة النفس والآخر

زر الذهاب إلى الأعلى