خريطة الأوهام – زاهر الغافري

لأنَّكِ
في هذهِ اللحظة
أجملُ امرأةٍ ميتّةٍ.

فأنكِ لَن تلوّحي لي بغصنٍ
ولا بمنديل.

أنا في ضفّةٍ
وأنتِ في ضفّةٍ أخرى
على حافّة الينبوع.

المَمشى المسكونُ بخيبة العالم
والسريرُ الذي أضاءَ الغرفةَ
والنافذة.
ثم تلكَ القفزاتُ العالية
في الهواءِ الطلق بين الأشجار
هي أكثرُ مِن ذكرى حياةٍ تتدحرجُ
على السَلالم.

إنَّني أوشكُ أن أبصرَ ماضيكِ في
صرختي الأولى
وأجرّبَ أيضاً حرارةَ الليلِ
في جسدٍ ميّت.

ولئِلا أتعب سأضعُ يدَكِ المرميّة
في يدي
لتكونا معاً
ما يشبه كنوزَ
أمكنةٍ ومسراتْ.


هكذا
على الأقل
لَنْ أضيّعَ
صورتَكِ مهما ابتعدتِ كثيراً
عن المرآة.

هكذا أيضاً يُمكنني أن أستقبلَ
صوتَكِ القادمَ من آبارٍ ضائعةٍ
بزهرةٍ أو مَطْلعِ أغنيةٍ
قديمة.

عتمةٌ خفيفةٌ تغطّي فراغاً
ضئيلاً مِن وجهكِ
أهذا ما نسميّه
حزناً؟

أم ينبغي أن نقول
وليمة لهذا الجمالِ
الراقدِ فوق السرير.

بعينٍ جسورةٍ أتخيّلُكِ أيقونةً
من الرَّغبات
مِن أشرعةٍ تَدفعُها الريحُ
إلى أيامِنا الآتية.

لذلكَ لن أبكي عليكِ هذا
المساء.

سأنتظرُ أمَلاً
حتى لو كانَ عشبةً
عالقةً في مرساةِ قاربٍ أخير.

ثم ليس كلُّ دمعةٍ تُشير
بالضرورة إلى قبر وتابوتْ.

ولا كلّ خطوةٍ، إلى ما يُظنُّ أنه
وداعٌ مؤلمٌ في الطريق.

استيقظي أيَّتها النائمة
الأفقُ
أيضاً
حياةٌ ثانية.

وخلف الستارةِ
تَلمعُ النجومُ
في السماءِ كنقودٍ فضيّةٍ
في ساحةِ الأعياد.

إنَّني أحبّكِ بقوّةِ الموهبة
بثقل الصدفةِ الواثقةِ من نفسِها.

إذا رغبتِ في فاكهةٍ
يكفي أن تحرّكي
إصبعاً واحداً
لتحضرَ الشجرةُ إلى هنا.


وإنْ رغبتِ أيضاً سأحملُكِ طافيةً
إلى أرضِ المغارة
فلَربما كان الموتُ خريطةً
سرّيةً للأوهام
أو محضَ
فراغٍ خادعٍ
في جوفِ الجبل.




*نص: زاهر الغافري
*من ديوان: ظلال بلون المياه

زر الذهاب إلى الأعلى