تأخرتِ أنتِ والقيامة – أحمد راشد ثاني

حبُّكِ أدخَلنا الجنَّة
وأدخَلَنا الجَّحيم،
أدخَلنا المَعصيَة
وأنزلَ علينا العِقَاب…

جَعَلنا منَ الأمواجِ،
وجعلنا على القوارب،
وتركنا كالنّوارس
بلا قبورٍ…

… وأوجعنَا
حبُّكِ أوجَعَنا كالغُددِ،
وأوجَعنا كالأسنانِ…

سَفَك المياهَ في أحلامنا
وسَفَكَ أحلامَنا
في عطشِ الآبارِ

ولم يَتنكَّر لنا أحدٌ
حين غَرِقنا في الكأسِ
لم يتنكَّر لنا أحدٌ
حين تَركنا الصَّحارى تتدلَّى
من أكتافِنا
ومَشَينا في الشوارعِ
بلا ظلالٍ…

ولم يتنكر لنا أحد

وَحدنَا سَقطنا من العُيون،
وحدنا تَكدَّسَنا في المَنافِضِ…
كالرَّمادِ

أَشعلَنا النيرانَ
في غرفِ بيوتِنا،
وهَربنا من النوافذِ
بلا وجوهٍ…

كلُّ من يَعبر نَظَراتِنا
نُكافؤهُ بالفقدانِ،
كلُّ من يَبكي على قُمصانِنا
نُعلّقه في الجُبِّ

***

أثناءَ البحثِ عنكِ
قال لنا البحرُ شيئاً عن نفسهِ
عن غَرقاه الذين يُشبهِونَنا
عن غُيومكِ التي لطالما
أدمَتْ شَفَتيه

قال لنا شيئاً
عن الأمواجِ التي لا تسمعُ كلامَهُ
وعن الرياحِ التي لا تَهوى الجلوسَ
إلا في فنائه

لم يُسَمُّ أحداً نالَكِ
لم يعترف بِفشلهِ في اللحاق بكِ
بفشلِ تلاميذهِ في تَهجِّي اسمكِ

***

تأخرتِ أنتِ والقيامة
فاستبدَّت بأيامنا الحيرةِ،
أَبدى لنا العيدُ مزاجَهُ العَكِرَ
والطمأنينةَ التي لم تَصعد بعدُ
من القَبوِ

من الريحِ الذي مرَّ عليه
لم يستيقظ عشبُ المستقبلِ



***

تأخرتِ أنتِ والقيامةُ
امتلأتِ الحياة
حياتُنا
بجثثِ الأفكارِ

امتلأت بجثثِ القَناني
وأضرِحةِ الكؤوسِ
امتلأت بالجثثِ…

جثثٍ يتقاذفُها الموجُ
وجثثٍ يحتفظُ بها،
جثثٍ يأكلُها
وجثثٍ بلا عيونٍ


… ولا يعرف أحدٌ عن سُخريتِنا
التي نُكيلُ لها اللهبَ
من الأمامِ
ولا عن نظراتنا التي نَنهرُها
بلا ريبٍ

عن الخفَّةِ التي وضَعناها على الرف
والألمِ الذي نمنعُه من الخروجِ




*نص: أحمد راشد ثاني
*من ديوان: الغيوم في البيت

زر الذهاب إلى الأعلى