نحنُ أبناؤكِ الأبرار
الذينَ لوَّحَتْنا الصَحراء
ودوَّخَتْنا أعينُ المَها
نقفُ اليومَ
كَنايٍ تَزْأرُ فيهِ الريحُ
وكَشجرةٍ هَرِمَةٍ
منذورَةٍ للغُبار..
– صحراء مبارك العامري
صحراء سيف الرحبي
. . .
في هذه الصحراء العاتية
الصحراء التي تسيلُ مع الشمسٍ كثباناً وشياطينَ
تناسلَ الأسلاف جَدّاً بعد جَدّ
ونبتْنا مصْل أشجارٍ صخريّة
راكضين بين الشاطئ والجبال
بأرجل حافيةٍ وقلبٍ مكلوم.
كبرُنا مع الجمال والحمير
قُدنا القطيع إلى مساقط الوادي
وشاهدنا القطا تغيبُ مع السراب
نصبْنا شباكاً للثعالب
وأخرى لوعول الغيب،
وحين سافرنا إلى بلدان العالي
لم نجد أثراً للأضحية في ثيابنا
ولم نجد ضالّة الحنين.
صحراء زاهر الغافري
الأم صولجان الحياة.
النظرة في بيت الكائن صحراء.
سأدفع الريح بيدي وأعيد المستحيل إلى رحلة الضوء.
في سابق الأيام كنت خبير الجبر وعلوم الآثار.
الليل من الليل في ذاته.
الصحراء خارطة الكون.
صحراء فاطمة الشيدي
. . .
في حياةٍ أخرى ما كنت أنا
كنت نخلةً سامقةً نبتت عنوةً في صحراءَ على مشارفِ الصمت
ووزّعت ظلَّها على حباتِ الرمال
أو لعلني كنت سمرةً طيبةً توقظ الحنينَ في ليل السمّار
وتشغل الغرباء بالغناء
أو كنت سدرةً تغتسل بعشقِها النساء
أو غافةً تحرس الأفق
لعلني كنت زهرةَ ليلكٍ نبتت سهوا عند ناصيةِ شارع ما
وحرست أسرار العشاق الذين يترصدون الزوايا لاستراق قبلة عابرة
المهم أنني كنتُ في البدء شجرة
أعرف هذا الآن من رائحة جسدي ليلاً
حين يضوّع عطرا يشبه حقل رياحين أو نعنع بري
ومن تفتّح حواسي على اخضرار الحياة
ومن الماء الذي يتغلغل في روحي تماماً
حين ينزل المطر.
نخرج في الريح
حالمين بالتقاط
ثمار نخيل موغلة في القدم
ونساءٌ لم تفارقهن
رائحة الخلق الأولى
يهبطن من سعفات النخيل
يحملن النبوءات
ونزقاً للملح
يمسّدنَ الطفولة
في دمائنا
الراكضة في الصحراء
التي أطفأت قناديل بصيرتنا بلا شفقة.
– صحراء عوض اللويهي
صحراء زهران القاسمي
. . .
أحدق في وجهكِ المرسوم على الصخر
تقول الحكاية التي ترويها الأمهات لبناتهن
إنكِ أجمل من في الأرض
وإنكِ كنتِ الفتنة التي قادت الغزاة
إلى هنا
الغزاة الذين سفحوا دمكِ على الحجر
دمكِ الذي ينساب حتى الأبد
ذلك الينبوع القاني اللون
أحدق في وجهكِ
وأستمع إلى مناحات الرعاة
وعن العطش الذي يصيب سالكي
هذه المتاهة
يشي بكِ ضوء القمر
تغتالكِ الساحرات
تمزق سيرتكِ الخفافيش
يعيد كتابة سيرتكِ المرابون
وعندما يهجع الزمان
تجمعكِ السيول
ثم تنبتين من طينتكِ شجرة وحيدة
في صحراء
أيتها المشتهاة في الدرب
المغناة في الينبوع
المرسولة في ضوء النجوم البعيدة
المحلاة في العسل
المنقوشة في الحلم
المقدسة في المرايا
الناعسة في الطفولة
المؤملة في العطش
المنتظرة في الحضور
أنتِ أنتِ
لؤلؤة تغنى بكِ القراصنة
وزهرة تنبت في جزر مهاجرة
أنتِ أنتِ
وحدكِ الطريدة في الأديان
والقتيلة في المواويل
يا بحة القلوب الجريحة
وهي تناجي الظلمة
وتخاف من شروق القمر
ويل لي من عينيكِ وهما يرحلان إلى باطن الأرض.
صحراء مبارك العامري
مَسَخَتْني الصحراءُ
ذاتَ ليلةٍ
فانْدَفَعْتُ لاهثاً
أثقُبُ الأرضَ
حتى انبجَسَ عَرَقُها
وحينَ عَبَّأْتُ أوردَتي
اشتَعَلَتْ فتائلُ
الجسَدِ..
صحراء زاهر الغافري
. . .
وصلتُ الى الأرض بالصدفة
كانت رحلة طويلة، وجدتُ نفسي في صحراء
في الليل.
القمر بهالته المضيئة عربون الصداقة
يطرد البرد عن جسمي
بعينين غائرتين اكتشفتُ أنني لست وحدي
أن امرأةً عاريةً تبحث في الكثبان
عن مشطٍ ضائعٍ بين الرمال
أخذتْ طريقاً طويلةً باختيارها
وهي تغنّي كالذئاب عندما تعوي
كأن المصيرَ كله ألعوبةٌ
في يد القدر
أحياناً تنبت الجذور في المرآة
ولا يراها أحد
أحياناً تتوسل الكلمةُ أمام باب
الخلاء وأنتَ نائمٌ
تزحف إليكَ من غابر الأزمان كالرسولة
أو كالأفعى في طريقها إلى الجنّة
قفْ.أنتَ في هذه الليلة تنام على
مشط من عظامي.
ليلةٌ بين الجبال
على مشارف الصحراء
صحراء (وهيبة) أو الربع الخالي
يُراودك برق العودةِ إلى المنزل الغائب
وكأنما تسمع رعدَ المطلقِ يهمهم في أعماقك
تتذكر دفء الرحم الأول
القُبلة الأولى
التي من فرط جمالها تشبه بصقةً في وجه طاغيةٍ دموي
ذلك المنزل الذي هجرته السلالة البشرية منذ قرون
لتستوطن مستنقعاتٍ وحضيضًا موحلًا
بناطحات السحاب
ليلة عابرة
تستعيد حلماً حلمهُ بدويٌّ في الأزمنة الغابرة.
– صحراء سيف الرحبي
*نصوص: سيف الرحبي، زهران القاسمي، فاطمة الشيدي، عوض اللويهي، زاهر الغافري.
*جمع وإعداد: لبيد العامري وموزة العبدولي ومحمد الحكيم