الرجلُ الذي يرى، يتحوّل إلى الأشياء التي يراها، وهكذا تخلّيت كوني شخصاً، وأصبحتُ منظراً طبيعياً مع الوقت.
الطبيعةُ جميلةٌ لأنها لا تلتفت.
الجانبُ الآخر من النهر، طالما هو الجانب الآخر، وليس هذا الجانب، هو السبب الأصلي لكل عذاباتي.
بهدوءٍ، ضع يدكَ في النهر، وسوف تتقنُ مع الوقت، هدوء الوقت.
تشبه يدكِ صلاة غامضة، وحروباً صغيرة تندلع داخل قلعة في الليل.
أتذكرُ فوتوغرافيا يديك أكثر مما أتذكرك أنت.
اليدُ سر الأسرار. اليد: نصٌّ مقدس وعميق، شبيهة الليل والتهار، قلادة من لؤلؤ، قصر غامض في الجبلِ لا أحدَ فيه، ومعنى أكثر عمقاً من مخاوف المرء.
الصحراء الكبرى روحي، لأنه لا يقطعها سواي.
أبحثُ عن نفسي، كالبدويّ المترحل بحثاً عن الماء.
انتمائي الوحيد كان دائماً للأماكن التي لن أصلها، والتماعة عينيّ كانت للشخص الذي لن أكونه. الشوق الذي عذبني دائماً كان الشوق لأشياء لم توجد.
الصمتُ في البيت يُلامس اللانهائي. أسمعُ سقوط الوقت، قطرةً قطرة. ومثلما تعبرني العوالم المائعة، أنفذُ إلى الزمن بواسطةِ الصمت.
صمتكِ قطعانٌ مُتعبة.
لا أفكر بكِ ولا أشعر بكِ. لأنكِ تملأين تلك الفراغات بين أفكاري وتقطنين في الفجوات التي بين الأحاسيس.
لم يكن يعرف ما معنى أن يكون مخلصاً وأصيلاً. لم يكن رجلاً. كان إيماءةً.
الحلم الذي يتحقق يتحوّل إلى سلطة غاشمة.
كلُّ القصائد كُتبت في النوم، حتى تلك التي كُتبت في الصحو.
ما نلتُ شيئاً: لا قُبلة الصحو، ولا مُلاطفات الخيال.
قصة حياتي: لم أستطع الخروج. كانت تُمطرُ باستمرار.
*نصوص: فيرناندو بيسوا
*ترجمة: عبدالله حمدان الناصر
*المصدر: مَلكُ الفجَوات (شذرات وأصوات فيرناندو بيسوا) – دار مدارك، ترجمات مزون، ط1، 2020م.