سلاسلُ النوم
كيف يَنالني نومٌ بينما هي –
مقصيَّةٌ عنِّي بأميالٍ وأميال
أشعرُ بالنَفَسِ الواسعِ وهو يروِّحُ
عن سُطوحها الهائجة
ندوبٌ تتبعها ندوب
وكلُّ الروابطِ
تنتهي بحشرجةٍ واحدة.
ها نحن ذَاهبون يا أمي، في محيطٍ بلا سفن
أَشفِقي علينا، أشفِقي على المٌحيط، ها نحنُ ذَاهبون.
الأحد
في غروبٍ رماديٍّ ثَقيل
تُرفرفُ خِرقَتي المغسولة.
وقت العشاء،
تتركُ الرِّياحُ الأكثرُ برودةً هذي الحشودَ قليلاً.
تتسرَّبُ إضاءة المطبخ
وتبدأُ أحجياتُ المساءِ الإسفنجيَّة الصَّغيرة بالتَّفتُحِ.
حانَ وقت الاتِّصَال بأُمي.
سأدَعه يَرن.
الرَّنة السادسة
السابعة
الثامنة
تَرْفَعُ السَّماعة.
أترقَّب.
هل كانت الجرذانُ تَعدو بتهورٍ، تحت المسافاتِ الجَوْفَاء؟
لا منفذ الآن
في نِضالِ الأنفاسِ المُستَتِبّ ضدَّ الموتِ، يُمنَح نومٌ آخر.
قَبِلنا عَرْضاً على المنزل.
أين الذي تبقَّى مما تبقَّى؟
بصمتٍ (هُناك) وريقات شَجرٍ ونوافذ على انتظار.
حبلُ غسيلنا الفارغ، يقطعُ الليلَ المُنحدِر.
ويصنعُ من الضَّوء السماويِّ رداء حِدَادٍ لرثائهم.
تتصاعدُ نِداءاتُ الملائكةِ والأَطلال..
بينما يَستمرُّ تَدفُّقهم عبر بَوابَتِنَا المُغلقة.
لا حيلةَ لنا
تَهُبُّ رياحُكِ الزُّجاجيَّة على الساحلِ الصامتِ
وتُراقصُ الوردةَ
فلنمعن النظر
قبلَ تَساقُطِ الثلجِ العظيم
قبل انسياب خواء الليلِ علينا
تنبَثِقُ من فوانيسِنا
أشكالُ رُفقاءٍ قُدامى
تتبعها لحظةُ صمتٍ بَارِدة.
ما الذي سَلَخَهُ السِّكينُ في تلكَ السَّاعة؟
غَرِقت العوَّامات.
وعُصِفَ الذي كان مَنزِلُنا.
لا حيلةَ لنا سِوى التَّجديف.
خُطوط
بينما أُكلِّمُ أمي، أُرتب الأشياء.
أسندُ الكُتبَ بجانب الهاتف.
أضعُ مشابك الورقِ في صحنٍ خزفيٍّ.
فُتات ممحاة منثور على المكتب.
تُطيل حديثها عن الموت.
فأُزيح المشابك الورقية إلى الاتجاه الآخر.
من إطلالة النافذة، كان الثلج يتساقط بخطوطٍ مستقيمة.
كنتُ أصفُ لأمي الحبيبة ما تناولتُهُ على الغداء.
الخطوط تتساقط بسرعةٍ الآن.
لقد وضعَ القَدَرُ أثقالَه في النهايات (ليستعجِلنا).
أُريدُ أن أُخبِرَها بعلامةِ رحمة الله.
لكنَّها لا تدعني.. تقول أنَّها لن تَدفعَ فاتورتي.
المُعجزاتُ تَتَخطَّانا.
المشابكُ الورقيةُ مصفوفة إلى الأبد.
ارحمنا يا إلهي!
تقول الابنة مُستلطفةً:
إلى متى سنشعرُ بهذه الحُرقة؟
تلكَ القوَّة
تلك القوَّة، هي أمي:
أستَخرِجُها.
مطروقةً، مُقيَّدةً، مُظلمةً مُتصدِّعةً
بكَّاءةً، كاسِحةً، مَقذوفةً في آهاتها.
قوةٌ طارقةٌ، تطرقُ أنفَ الموت.
تَسحبُ وتَسُدُّ. تتشكَّل وتَهجم.
كسكينٍ غير مدميٍّ يشحذُ العظام.
تلك القوَّة، هي أمي،
انتَهت.
ثروتنا
في منزلٍ عند الغَسق، يُثير درس الأم الأخير
رياحاً غربيَّةً تُغلِقُ كُلَّ الصَّفقات.
ألقِ نظرةً على النوافذ ليلاً، سترى أُناساً واقفين.
كُنَّا دائماً هكذا، لدينا من الأعذار ما يُبقينا في الداخل.
إلى أن جاء اليوم الذي قَطعنا فيه الفاكهة (والشجرة)
والآن نحنُ في الخارج.
كان ذلك دينَنَا الذي دفعناه.
في بعض الظُّهيرات هي لا تَردُّ على الهاتفِ
إنَّه فبراير، الثلوج سائدة. ويلحظ المرءُ درجات الثلج المُتفاوِتة.
ثلوجٌ مصبوغةٌ بالألوانِ – زرقاء، بيضاء، بُنيَّة، رماديَّة، فضيَّة.
بعضُ الثَّلجِ يَحوي بداخله حَصواتٍ أو ظلال.
وبعضه رقيقٌ كجناحٍ، يستحيل الوقوف عليه.
وحين تقفُ عليه الريحُ تُرقِّقهُ، تُصيِّرهُ أشتاتاً.
هذه الأشتاتُ، هي رغباتنا المأمولة.
فلا يستطيع الصَّغار الوقوفَ عليه.
ولا الحرف المُفرد يستطيع، ولا حتَّى طرفه.
الحروق العمياء، هي كلُّ ما يجيء عبر ذلك العالم.
إنَّه فبراير، الثلوج سائدة. ويَلحظ المرءُ درجات الثَّلج المتفاوتة.
*نص: آن كارسون
*ترجمة: موزة عبدالله العبدولي