كنتُ ألاحظُ بالتدريج، كيف تختفي بورتريهاتكَ الكثيفةَ من مفكرتي، متسللاً إليها أنت بقلقكَ عندما ننام، تُمزِّقُها، وجهًا بعدَ آخر.. لأِنَّكَ الخائفُ أبدًا من المرايا.
البورتريهاتُ الكثيرةُ التي أحفظُها الآنَ في رأسي، متخليةً عن فكرةِ تدوينها..
واحدٌ باستكانَتِكَ الدائمةِ وأنتَ تستيقظُ قبلَ الضوءِ بقليلٍ، تدخنُ بصمتٍ مباغتًا إياه، بالصبرِ والدُّخانِ، هذا رجلٌ ينتظرُ العدمَ بصبرٍ، رجلٌ منهكٌ ووحيدٌ، وبعيدٌ أيضًا، لأنَّنِي؛ وكُلَّمَا مددتُ يدايَ، فإنَّهمَا تعجزانِ عن لَمسِكَ..
تضحكُ، متخففًا من التِّعبِ، وتشيرُ لكسلِ كلِّ أولئكَ الذينَ يسبقهمُ الضوءُ.. ومنهم أنا.
رجلٌ آخرُ، يتحركُ بإفراطٍ، ويفتشُ عن شيءٍ ما لا أدركه، لعلَّه لا يدركُه أيضًا، ينسى كثيرًا، الأماكنَ التي وضعنا فيها الأشياءَ معًا، يتحركُ وينسى، يتحركُ كرجلٍ يريدُ أن يتلاشى، وكُلَّما نسيَ أكثر، تحرَّكَ فاضمَحَلَّ فاختفى.
أما الآخرون، فهم أنتَ، وأنتَ تختارُ أن تصمتَ دائمًا وسطَ الجموع، الصمتُ الذي يجعلهم ينسونك، والصمتُ الذي يجعلكَ تتسللُ إلى تفاصيلِهم كلِّها، هم الذين لا ينتبهون لك؛ فينكشفونَ أمامكَ بلا اكتراثٍ، لتقبضَ على نقاطِ ضعفِهم، وتُفرِّغَها أمامي في نهايةِ اليوم، تقول:
- لعلكِ تستفيدينَ من هذه الملاحظات في قِصصكِ،
وأعرفُ أنك تحاولُ إلهائي عن البورتريهِ الشخصيِّ، الذي أحاول من خلالِهِ الوصولَ إليك.
تبدو مُرتاعًا من فكرةِ كتابتي لك، كما هو روعكَ من فكرة المرآةِ الكبيرةِ التي اقترحتُها لمدخلِ المنزل.. كانت المرآةُ تلكَ شجارَنا الأول.. وهلعَكَ المقيم.. الأبديّ.
تتكشفُ حيواتُكَ أمامي .. الأصواتُ .. المراراتُ .. الخديعةُ.. والقلقُ.. تتكشفُ لي الشروخُ التي ترفضُ باستماتةٍ أن تظهر، وكلَّما عبرتَ من أمام المرآة.. سمعتَ تكسُّرَها الآتي من الداخل، فتفرَّ قبل أن يطفو ذلك الصدعُ على السطح.. لعلكَ تحاولُ حمايتنا جميعًا من الشظايا.
كأنكَ الآن أشخاصٌ كُثر، لكلِّ شخصٍ منهم حكاية، لكأنهم الخائفون، الباحثون عن مأوى فيك، ولكأنَّهم أيضًا العاجزون عن استعادةِ حريتهم بعيدًا عنك.
تُمزِّقُ بورتريهاتكَ المكتوبة
وجهًا بعد آخر..
وأحتفظُ أنا بنسخةٍ لكلِّ وجهٍ منها
عميقًا
في رأسي.
*نص: صالحة عبيد حسن