التَّماثل
في محطةِ الاستقبال
حاول اللاجئون القادمون من مختلفِ الدول
مواساة بعضهم البعض بحُرقةٍ.
اطمأنوا لاحقًا،
فليس عليهم أن يتحابوا،
يكفي أن يلتقط كلّ منهم من الأرض
صخرة مُماثلة لصخرةٍ أخرى
فإذا تفارقت طُرقهم لاحقاً،
ولم يعودوا يتذكرون حتّى أسماء بعضهم البعض،
سيتذكرون على الأقل أنَّ هناك شخصاً
في مكان ما يحمل صخرةً مُماثلةً،
ومهما كان مقدار ألمه،
لم يَسحَق بها شيئًا،
لم يكسر بها نافذة،
لم يتحدث إليها، لم يقمّطها،
لم يحطّم بها رؤوس هؤلاء
الصارخون بوجههِ بعُنف،
بل يحملها معه،
كما يحملها الآخرون.
ويومًا بعد يوم شعوره بثقلها يتناقص.
الآخرة
رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 35:11
“أَخَذَتْ نِسَاءٌ أَمْوَاتَهُنَّ بِقِيَامَةٍ”
من كلِّ المخيم،
ومن بين كلِّ أفراد عائلتي
أنا الوحيد الذي عدتُ.
فَحَصني الأطباء لفترةٍ طويلة ثم قالوا:
تلفتَ تمامًا من الداخل،
كشجرة الجوز التي بَدَت سليمة من الخارج،
ولكنَّها استسلمت العام الماضي
ومالت على جدار المستشفى.
أما زميلي في السكن فقد ذكّرته بزهرة عباد الشمس،
فمنذ فترةٍ وأنا لا أُحرّك إلا رأسي.
يتحدثُ البعض مع أزهارهم،
كي تنمو سريعًا،
يزعم أنَّكَ أيضًا ستبدأ التَّحدُث معي
في نومي، يا سيدي.
منذ ذلك الحين وأنا أحلم،
بأنَّهم يُعيدوني للمخيم،
تمامًا إلى ذلك المكان،
حيث رأيتُ والديَّ للمرةِ الأخيرة،
يغرزون قدمايّ في الأرض حتى كاحليّ،
وتنموا منّي أزهار في حجم قوقعة الأذن،
لعلّني أسمعكَ هكذا بشكلٍ أَفضل، يا سيدي،
ولكنّني لا أسمعُ أيَّ شيء آخر،
إلا أصوات النباتات،
وهي تتلمس طريقها لتنبُت من الأرض،
أسمعُ تلكَ الطقطقة الخافتة،
بينما تنشقُّ قشور البذور.
عند التبرعم تتفتح البَتَلات،
تنطلق العروق الدقيقة تحت الأرض،
وتبدأُ الفروعُ المُتجمّدة في النمو،
تنبتُ الأوراق، تَنمو بكثافةٍ وتجلب الثمار،
ترنُّ في أذني جوقة الخلق متعددة الألحان،
وتكرّر بدون انقطاع الرسالةَ الوحيدةَ،
أنَّني لا زلتُ على قيد الحياة،
وأنَّ هناك، من ارتكبَ ذنبًا
أكبر من ذلك بكثير.
درس الأحياء
حدثَ في إحدى أبرد أيامِ الصَّيف.
أثثنا مأرضة مع طلبة الصف الثاني
ووضعنا بها دودة قز،
كي نشاهد مراحل الولادة الجديدة.
صاح الولد القادم من حلب:
أن هكذا ستخرج من القبور
أمواتهم المحصورة تحت أنقاض منازلهم
ذات الثلاثة طوابق.
ترسَّخ الصمت بسرعة في الأجواء
كالإسمنت المصبوب في مجرى النهر الجاف.
لأشتت انتباه الآخرين حثثتهم على تسميَّة
الفراشة التي ستخرج قريبًا من الشرنقة.
اقترح هو أيضًا اسماً غريباً،
ذا رنين مميَّز، اكتشفتُ لاحقًا،
أنَّه اسم مضاد اكتئاب الأطفال،
الذي كان يتعاطاه منذُ شهور.
عندما خرجتْ الفراشة من الشرنقة،
كان الولد قد توقف عن المجيء للمدرسة.
ربما أدرك أنَّ ما قاله حينها لن يحدث
ولم يرد إحباط الآخرين.
أما نحن فقد احتفلنا بالحدث،
شاهدنا بتمعن،
بينما فردت الفراشة أجنحتها المنكمشة،
ثم أطلقناها إلى الخارج وأغلقنا النوافذ،
شاهدها الأطفال بعيون لامعة و وهي ترفرف.
لم أخبرهم أن البرد قارس في الخارج
وأنها قريبًا ما ستتجمد.
دَعهم يستمروا في الإيمان بالبعث.
*نص: زيتا إيجو
*ترجمة: كريم جمال الدين