أنا عالقة هنا في منتصف الشق الضيق بين الديناصور الصغير الذي لا يحسن الصياح، لكنه لا يتوقف ظنًا منه أنه ديك ـ هو لا يعرف كنه الصباح لكنه يستمر في المحاولة ـ وبين أضواء السفن التي تتهادى ببطء على سطح البحر وتجذب ذاكرتي معها بخيوط لا مرئية، حادة تقطع رأسي كلما حاولت الانفلات.البحر كما هو، لا يفتقدني كما أفتقده؛ قاس ومتسع لا ينتظر أحداً إلا ليبتلعه كلما كان جائعاً لروح ما ترفّه عنه وتكسر ملل وحدته.الصباح يبدو كنهر ضيق على خريطة متسعة وأنا تائهة في صحراء الخريطة ولا أجيد حساب مقياس الرسم ولا اتجاهات البوصلة المشوشة بفعل القطع الممغنطة الملقاة حولي، السماء بيضاء..نعم لا أنكر ذلك.. بيضاء، لامعة ومطرزة بخيوط براقة ملونة، لكنها بعيدة، بعيدة جدا؛لا أستطيع أن أعلق بها بالوني، الخيوط تتشابك في رأسي وفرص الحرية تقل كلما أصبح الشق أضيق.أرجوك لا تحاسبني على تخيلاتي البلهاء عنك، ولا على الديناصور الذي لا يتوقف عن الصياح ويسبب لك الإزعاج.الخريطة لم أرسمها، أنا فقط وضعت ورقة الكلك الشفافة فوقها لأحفظ لنفسي الطريق، الخريطة رابضة هنا منذ زمن بعيد بنفس النهر الشائخ الذي لا يكف عن محاولاته الساذجة لاستعادة شبابه عن طريق الاستمرار في المباعدة بين ساقي الحياة أو الاستمناء في فمها.في الحانة القديمة اندلق النهر ولم يستطع الجلوس على الكرسي، بينما الحياة مستمرة في شرب الويسكي وهي تراقب انسكاب النهر وسيولة عظامه بعد أن أصابته الهشاشة منذ زمن، الحياة تداوم على شرب علبة من الحليب كل ليلة لتحمي نفسها من هشاشة العظام وتبطن جدار معدتها قبل أن تسكب كوؤس الويسكي في حلقها.هو ليس صباحا جيداً، على كل حال .. صباح الخير.
265 دقيقة واحدة