يا طفلةً خضراءَ كالمصباح،
ضوؤك كانَ من كَفيَّ يطفحُ في ليالي الخوفِ،
كان يشعُّ في وجهي،
فيختمهُ كمكتوبٍ،
ويبعثهُ إلى جهةِ السماء
وأتى عليَّ الانمساخُ أتى عليّ،
صرتُ وحلاً في الحقولِ وصرتُ ماء.
وخرجتُ من جسدي
خروجَ السروِ من سفحِ الجبل
سميَّتُ هذا نضوجاً، أو وداعاً،
واحتياراً، أو ضياعاً،
واختياراً، أو قدر..
وانفتاحاً في الشبابيكِ التي بين النجوم،
لكي تُفاجئَني اتساعاتُ
الفضاء.
ينامُ الليلُ مثل القطِّ في حِجري،
وبينَ يديَّ
وأُحدِّقُ في عينيهِ طويلاً،
ويحدِّقُ في عينيَّ
يا ليلى أُحبُّكِ، مثل مجنونٍ، وأفشلُ أن أبوح!
أصابِعُكِ البيضاءُ تعبرُ في حلمي..
كعشرِ مرايا
وأرى وجهيَ فيها كنارٍ بغير دخان.
لا تجرحي القلبَ،
يا رغبتي في الحنان.
فتعالي إليَّ،
لأحمل جسمَكِ البريَّ في كفيَّ مثل بوصلةٍ
وأراكِ تنتشرين،
مثلَ الضوءِ في سُفن الكلام.
*
في خريفِ المشمشِ القمريِّ أمشي نحوَ بيتكِ،
في الندى القَدَمُ.
وبيتُكِ في التلال، به يحيط البرتقالُ بهِ،
وحزنيَ ينتهي، والثلجُ تبردُ تحتهُ القممُ.
قممٌ معرَّاةٌ بضوءِ النجمِ تَطفحُ؛ هل أٌحبُّكِ؟
لستُ أدري!
قد قدمتُ إليكِ من بابِ الصداقةِ،
عبرَ زوبعةِ الرماد.
لم أعدكِ بقصَّةٍ أُخرى،
وغابَ صنوبرٍ في الشمسِ في وسطِ البلاد.
ماذا أُفسِّرُ عندَ بابكِ،
غير حُبِّي لانفتاحات الفضاء؟
*
أراكَ في دفقةِ الموجِ الرماديِّ حماماً حزيناً
يُفتِّشُ بين الشواطئ بحثاً عن سفينة نوح.
أراكَ تضمُّ الجناحَ
وتخفي بالغناءِ الجُروح.
أراكَ غريباً عن الأرض التي فيها تجيء وفيها تروح.
أراكَ على الوجهِ مزاجاً تعكَّر كالموجِ أو مثلَ بسمةِ مُتعبٍ
بين البداية والانتهاء.
وغداً تنمحي كالوشمٍ من فوق الشفاه الجميلة،
أو تختفي كبقية الحِنَّاء.
وغداً
كالأرض المحروثةِ بالشمس،
تجفُّ شقوقاً شقوقاً،
وتفتحُ صدركَ للابيضاضِ الذي في السماء
وغداً سوف تبكي
على حجرٍ واحدٍ
في جبالٍ كاد يقتُلها الانحناء.
وغداً مثلَ عباءةٍ سوداء تشلحُكَ النساءُ على الكراسي،
ومثلَ الغناء
بعد انتهاءِ العرسِ،
تبقى صدًى في داخلِ النَّفسِ،
وتمشي قوافلُ أهلكَ صبحاً لمصرَ،
وتبقى أنت وحدكَ في الوراء
فتخطو خطوةً نحو الجنوب،
وتخطو خطوةً نحو الشمال،
وتبحثُ عن كلمات الصباح لتلفِظَها للمساء.
ما كان عيشاً كي تقولَ: “انتهيتُ”، وما
كان عشقاً كي تقول: “انتهى”.
من ديوان: (ليلى وتوبة) – حسين البرغوثي الآثار الشعريَّة
586 دقيقة واحدة