بعيداً في الغياب – زهران القاسمي

أشخاص:
بلدان:

إلى أمي..

حتى لو فتحتُ يدي ومددتها

لن أجدكِ

سأكون كمن قبض على هواء

أنتِ لست هنا

لا قلبكِ غابة أندس فيها مثل حيوان بريّ

ولا دمعتك تغسل أخطائي 

لقد ذهبت بعيداً 

هناك في غياب يشبه جفاف حلق أرملة

لحظة عويلها الأخير

حتى لو فتحت فمي لأقولكِ

لا حروف لكِ

ولا صوت بحنجرتي. 

*** 

ماذا يمكن أن يفعل الإنسان سوى أن يذهب للنوم

وأنا أذهب له لعلني ألقاكِ ولا ألقاكِ

تمر أحلام كثيرة

يمر شخوص وأشباح ووحوش

اجتاز كوابيس ومقابر قديمة لقتلى حروب وأوبئة

أقبض على قلبي وأعصره حتى لا يسقط في نهر الخوف

وأنت في غيابكِ

لا صوتكِ يصل إلى سمعي

ولا يدكِ تخفف وجيب القلب. 

*** 

أحتاجكِ

فيحتاجكِ الدرب الجبلي حين يقول لعاشق لا تذهب إلى أين

يحتاجكِ العشب الذي ينبت على جنبات الطريق متحدا بالعدم

يحتاجكِ حصان هرم يموت كل يوم قليلاً

حتى تنظري في عينيه قبل الرحيل فتلمع الحقول من صباه

تحتاجكِ المدينة وهي تغلق أبوابها للظلام

أحتاجكِ لأن خدراً يسري بين أصابعي

لكي تشبكي أصابعكِ بينها

وأحتاج ضحكتكِ لكي تنقذني من العطش.

*** 

هل أخبرتكِ؟ 

أصادفكِ كل صباح أمام باب البيت

وقد افترشتِ حصيركِ ونامت على أطرافه قطتان

أسمع وقع خطواتكِ على الدرج تهبطين 

فيرنُّ خاتمكِ الفضي على الإبزين

ألمحكِ وأنتِ تجلسين على سجادة الصلاة في غرفتكِ 

تدعين وتسبحين لله

هل أخبرتكِ؟

الشجرة الكبيرة في البيت ماتت

رحلت العصافير عنها 

والزوار الذين كانوا يأتون ليتبركوا بوجهكِ غابوا

وأنا لم أعد أشكو إليكِ تعبي الذي يتكدس كل يوم

تعبي الذين كنتِ تغسلينه بكلمتين

وابتسامة حانية

هل أخبرتكِ؟

صار النهار بلا شمس

صار البيت فارغاً

وصرنا يتامى

وصارت الحياة بعدك بلا حياة.


*نص: زهران القاسمي

زر الذهاب إلى الأعلى