باغتَ الفجرُ السّمواتِ الجفول،
وخلفَ التّلِ غارَ الليلُ
وأمامَ أعيننا، في أوقات الفرحِ، والمسرات الكثيرة،
لا يزالُ الفجرُ ينثرُ السّحرَ حولنا
ويُبدّدُ الذي نسميه الوردة.
ولا تزالُ أطرافُ أصابعِ الصّقيع الرهيفة،
تبسطُ تاريخَ المطر النّدي،
تتقفّى أثرَه، ثمّ تبدّدُه.
الكلُّ منهمكٌ، يفعلُ شيئاً ما،
الطّيرُ عاودتْ بناءَ أعشاشها بين فروعِ الزّعرورِ البريّ.
والأرنبُ جعلَ جُحرَه السّريّ وثيرًا، دافئًا؛
والريحُ القويّةُ تصولُ وتجولُ في الأرجاء،
ومعها الأغصانُ الخضرُ الهائجة.
ثمّ بلغَ القمرُ أوجَهُ،
وبعدها رحلة الأفول:
إنّهُ يرى الجمالَ فيهم جميعًا،
أولئك الذين كانوا ينظرون إليه العامَ الفائت،
ولكنْ، مَنْ منهم يتذكرُه!
أحيانًا، بخفةٍ يعبرُ الحبُّ المياهَ
ويُسندُ الضّحكُ رأسَه المُشعَّ إلى الخلف.
فالجمالُ مازالَ وضّاءً،
وما زال العجبُ نابضًا بالحياة.
ثمّ – بين الأصواتِ الجميلةِ والصّمت،
بكؤوسٍ مترعةٍ بـالنّبيذِ المعتّق الشّهيّ –
يتدحرجُ العالمُ الفانيّ المرصّعُ بالنّجوم!
ضاع هذا المنسيّ، وما عاد لهُ من أثرٍ ما،
ضاع وتلاشى أثره في العام الماضي،
ولكنْ، مَنْ منهم يتذكّره!
لا أحد يتذكره: إنّهُ يرقدُ هناك
في مكانٍ موحشٍ غريبٍ كما يبدو لي!
مجهولٌ تحت سماءٍ مجهولةٍ،
الرّيحُ ترنيمته الوحيدةُ
والمطرُ دموعٌ وحيدةٌ مدرارةُ على وجههِ البعيد
إنّهُ بعيدٌ، فلا يتذكره أحدٌ ما
لكنّهُ حيٌّ في الحَيواتِ التي حافظ عليها،
في الحَيواتِ التي سمحَ لها أنْ تكونَ ما هي عليه الآن..
جعلَ الرّجالَ والنّساءَ ينامون هانئينَ مطمئنين.
وهم يتبادلون الغرامَ بالقبلِ والنّظراتِ،
قلوبُهم تنبضُ بالحياة
لكنّ قلبَهُ لن ينبضَ ثانيةً
فهنالك يرقدُ جسدُه المتحلّلُ العقيم،
لن يكونَ لهُ أبناء من صُلبه
لن يكونَ لهُ مَنْ يتذكرهُ مثلَ الآباء الآخرين،
لقد قدّم حياتَه قربانًا، مثلَ المسيح،
قدّمَ حياتَه الوحيدَة المشتهاة،
ضَحّى بحياتهِ الغاليةِ المهيبةِ من أجلِ غرباء.
هذا الميتُ المنسيّ،
غادرنا وحيدًا تحتَ جُنح الظّلام.
وهنالك كانَ جسدُه..
ملقىً
هامدًا
مِنْ أجلكَ أنت!
هنالك أُريقَ دمهُ الطّاهرُ على الأرضِ
أُريقَ فضاعَ أثرُه وتلاشى.
كان يمكنهُ أن يأكلَ ويشربَ مثلما تفعلونَ الآن.
أنتمْ، يا من ماتَ من أجلكم..
حافظوا على ذكراه.
*نص: موريل ستيوارت
*ترجمة: هناء خليف غني